هيرمس
شايل جيل

يوميات مؤرخة مصرية

القضاء عبر العصور (3-3)

"لن تكون عادلاً ما لم تكن إنساناً "
نستكمل ما بدأناه بالحديث سابقا عن القضاء عبر العصور المختلفة ' أما فى العصر الحديث فقد كان النظام القضائي المصري أول المتضررين من الغزو العثماني لمصر . 
    فقبل دخول العثمانيين إلي مصر كان لكل مذهب من المذاهب الأربعة قاضي ولكل قاضي نوابه .شهد القضاء المصري الرفيع تدني وتدهور سافرا عهد العثمانيين حتي أصبح التنافس الشديد عليه يخول لشرائه وذلك لما خصص للقاضي من موارد دخل كبيرة خاصة بعد إصدار" قانون نامه" فى عهد السلطان سليمان لتسيير الأمور القضائية .


وفي عام 1532م تمت إقالة قضاة مصر الأربعة وتعيين القاضي العثماني (سيدى الجلبي) وسمي "بقاضي القضاة" أو " قاضي العسكر افندي " وصار المذهب الحنفي هو مذهب القضاء والدولة .وأصبح القضاء المصري تابعا للقضاء التركي .وقسمت مصر إلى 26 ولاية قضائية .
وتذكر د/لطيفه سالم في كتابها " النظام القضائي المصري والحديث" أن السلطان العثماني لم يستطيع العودة إلى تركيا قبل أن يستتب له أمر القضاة .فقام بإعتماد المذهب الحنفي كمذهب رسميا للدولة .ثم عين ما يعرف ب(قاضي العرب) وجعله فوق القضاة الأربعة . وانتشر الفساد والرشوة على أيدي القضاة الأتراك .
 أما عن انواع القضاء: 
1- القضاء العادي ، وهو الأساس في التقاضي وفصل المنازعات ، وأحكامه واجبة النفاذ لأنه جزء من الإمامة الكبري , وصادر من ولاية عامه لذا فهو " فريضة محكمة وسنة متبعه ".
2-قضاء الحسبة ، وهي وظيفة دينية وإدارية تستند في بعض الأحيان إلى القاضي وهي مرتبة ادني من القضاء وواسطة بين القضاء والمظالم ، والهدف منها إقامة شرع الله وتطبيق الأحكام والآداب الإسلامية والمحافظة على الحقوق العامة . وأحيانا يتولاها "والي الحسبة " الذي يقوم بمراقبة الأسواق والطرقات والمجالس العامة .والنهي عن المنكر والتأديب على فعله والأمر بالمعروف وعقاب تاركه .
3- قضاء المظالم ، هو سلطة قضائية أعلي من سلطة القاضي والمحاسب ويسمي المتولي لأمر المظالم " ناظرا" أو قاضي المظالم ،وله مثل سلطة القاضي وإجراءاته ، ولكن عمله ليس قضائياً خالصا بل هو قضائي وتنفيذي .وهذا النوع من القضاء وضع عندما عجز القضاة عن الحكم فيه ، لذا فهو يختص بالنظر في تعدي الولاة علي الرعية والنظر في جور العمال.
    ومع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م ، حاول نابليون بونابرت الحد من سيطرة المحاكم الشرعية وقام بتأسيس " محاكم الطوائف " فكان هناك محكمة لكل من الأرمن والشوام واليهود والأقباط .
    ويعد "محمد علي " صاحب النهضة الحديثة في مصر هو أيضاً مؤسس القضاء المدني الحديث ، فبعد أن كانت قديما الأعراف والتقاليد والمعتقدات هي الحكم والفيصل في غياب سلطة تشريعية أو قانون لسن القوانين وبعد ما كان العرب في الجاهلية  يعتمدون على وسائل متعددة لإثبات الحقيقة منها "الشهود -القسامه-القيافة - الفراسة - القرعة - الكهان من مسخري الجن " وبعد أن كان "سوق عكاظ"  " ودار الندوة "  مكان مشهوراً للفصل في منازعات قريش أيام المواسم والأسواق، مرورا بكل ما سبق لم يعرف النظام القضائي في مصر تطورا علي النظام التشريعي بشكله الكامل إلا عهد " محمد علي".
   ويذكر د/يونان لبيب رزق ،ان السبب في ذلك هو رغبة محمد علي وخلفاؤه من بعده في توسيع قاعدة الإستقلال المصرى عن الباب العالي . ومن ثم قام بتأسيس ما عرف  بنظام" ديوان الوالي " الذي تطور لديوان الخديوي فى مصر والإسكندرية ثم تبع ذلك إنشاء "مجلس الأحكام الملكي" كما صدر قانون "السياسية نامة "  وأسقط كافة المجالس وأنشأ 7 دواوين أهمها الديوان العالي 1737 . ثم تأسيس "جمعية الحقانية " وهي أول مؤسسة قضائية حديثة تعرفها مصر وإعتبرت بمثابة هيئة إستشارية لينظر الوالى فيها القضايا التي تحتاج لإعادة النظر .
    وفي عام 1849م ، تم إنشاء مجلس الأحكام وهي هيئة قضائية مهمتها الفصل في القضايا الكبري وتتكون من 9 موظفين بجانب عالم شافعي وعالم حنفي .أما القضايا الصغرى فتركت للمحاكم التشريعية .

    وفي عام 1852، أنشأ مجالس الأقاليم .وفي عهد "الخديو إسماعيل " تم التوسع في إنشاء المجالس وأصبح هناك مجلس مصر والأسكندرية كمجالس إستئنافية للأحكام .وفي عام 1863م أنشأ " ديوان الحقانية" وتم نقل تبعية كل المجالس إليه .أما في عهد "الخديو توفيق "- أسوأ حكام مصر من أسرة محمد علي- فقد تم إنشاء المحاكم الأهلية ليلغي بذلك مجالس الأحكام ويبدأ النظام القضائي الحديث .
    ثم جاء دستور عام 1923 م الذي نص على: " أن القضاة مستقلون ، وليس لأي سلطة في الحكومة التدخل في القضايا " وفي عام 1941 م صدر أول قانون لإستقلال القضاء في مصر .أما عام 1943 م فقد تم تأسيس نادي القضاة بهدف إلغاء المحاكم المختلطة التي عرفتها مصر زمن الإستعمار الإنجليزي بمراحله (ندب ووصاية وحماية ) .
     وفي عام 1953 تم تأسيس محكمة أمن الدولة العليا اول محكمة إستثنائية ينص عليها الدستور .وفي عام 1980 م تم إصدار قانون 105 بإنشاء محاكم أمن الدولة .
     أما القضاء العسكري ، فقد نشأ بمقتضي قانون 25 لسنة 1966 ونص علي " أن الإدارة العامة للقضاء العسكري هي إحدي إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة " .وأصبح لدينا وزارة العدل والهيئات القضائية الأربعة (مجلس الدوله- النيابة العامة- النيابة الإدارية-قضايا الدولة ) والمحكمة الدستورية العليا.وإمتلأت صفحات التاريخ الحديث والمعاصر بقضاه سجلت مواقفهم أسماءهم بحروف من نور في جنبات التاريخ لسنا بصددها الآن . وأختم حديثي مثلما بدأته بمقولة أجدادنا القدماء " سلطان بلا عدل كنهر بلا ماء" نسأل الله دائما توخي العدالة لكل قضاة مصر وألا تغول سلطة علي أخري حتي تتحرر السلطة القضائية من أي أعباء قد تجعلها تجانب الحق خاصة ونحن على أعتاب إنتخابات مجلس النواب والتشريع المصري .2020 . وأخيراً اختم حديثي عن القضاء بتحية إجلال وفخر للقضاء المصري العادل والشرفاء من  قضاة مصر على مصر العصور المختلفة ،نسأل الله لأرض الكنانة " مصر " كل رفعة وازدهار .

بقلم - د.شيماء خطاب:
باحث العلاقات الدولية والتاريخ السياسى





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق