هيرمس
شايل جيل
عابره
"سائق تاكسي يتجول في أنحاء المدينة، التقط صورة في ذهنه لحفظ كامل شوارعها حتى ألِف الأمر لدرجة أنه إذا أغمض عينيه سيعرف الجهة التي يقصدها

 

ولكن كيف لك أن تقضي حياتك بأكملها تصل الناس إلى جهتهم بحذاقة ولا تدرك غايتك ولا تصل" 
إذا أخبرتك أنني أتجول في شوارع مختلفة وأختلط بأناس متباينة لظننت أن الأمر غاية المتعة
ولكن دعني أُخبرك أنا من منظوري الواقعي البحت حيث يكون ذلك روتينك اليومي
فإذا نظرت لوجه ذاك من النظرة الأولى ستعلم إذا كان يريد الثرثرة أم أنه يأثر السكوت، هل سيجود عليك بلفافة تبغ أم أنه شخص عاقل
من هيئته ستحدد جهته وما الطريقة التي تسلكها معه في المعاملة
وهذه خبرة لا تُنقل في بضعة أسطر ولكن استمع إلى ماحدث في يومي لعلك تعي ما أتحدث عنه
في بداية اليوم تناولت فطوري البسيط من العيش والجبن والفول ثم تبعته بكوب شاي ساخن، إنه الشيء الوحيد الذي يساعدني على إكمال يومي، وبما أنني أبدأ عملي من بعد الظهر حتى الثانية عشر من منتصف الليل اتجهت للمسجد لقضاء صلاة الظهر
وبالتأكيد كل تلك التفاصيل لا تعني لك شيئًا ولكن إذا أردت أن تأخذ مني معلومة فلتعطني مساحة من الوقت فقليلًا ما أتحدث عني
قد تظن أنني رجل عجوز في أواخر العمر، ولكنني في منتصف العشرينات وسأدعك تخمن
حسنًا فلنكفِ عن شأني ونتجه لذروة الموضوع
تجولت لأكثر من ساعة ونصف بدون أي رُكاب، وعلى الرغم من ذلك مازلت استمع لمحطة القرآن الكريم وكأنني لا انتظر شيئًا وبداخلي دعوت الله أن تحدث المعجزة التي لا أعلمها
حتى رأيت سيدة عجوز قصيرة القامة ترتدي بنطال أسود وسترة سوداء وكأن لديها موعد رسمي ويصل شعرها لكتفها وقد كان مزيج من اللون الأبيض والرمادي وكأنه ثلجي
حينها تذكرت أنه من عدة أيام..أشهر..سنوات كان ذلك الشعر باللون البني الداكن، وإذا مضينا سنوات للخلف أكثر سنرى أنه كان معقود كضفيرتين طويلتين
وأن بين تلك التجاعيد تحمل بينها حكايات مرت، وأن ذلك يدل وكأن الإنسان حين يُرد إلى أرذل العمر تنتهي صلاحيته شيئا فشيء حتى ينتهي ولم يعد صالح للبقاء.
بعد ما أوصلت السيدة العجوز إلى جهتها رأيت أسرة توقفني ولكنها ليست بالبسيطة
كان رجل وإمرأة وبينهما خمسة أولاد أكبرهم لا يتعدى العشر سنوات
وكأن الإنسان لايتزوج سوى لإثبات قدرته على التكاثر ثم إنشاء نسخ مكررة من دمج جينات لا نتمنى لها سوى الانقراض.
أنا سريع الانفعال، سريع الإصابة بصداع يفتك برأسي بعد هولاء الركاب
ثم ركبت معي فتاة ولا أتمنى أن احكي لكِ وصفها  ولكنني كنت أُعاني لأغض بصري بل طرفي بأكمله
ولكن بلا جدوى، بالتأكيد التحرر فكرة رائعة وبدايتها أن يتحرر الإنسان من ملابسه كالحيوانات سيبلغ شأن عظيم لم يصل إليه أحد من قبل
ولكني حاليًا لا أريد أن أصل سوى لجهتها لأتخلص من ذلك العطر الذى حوى العربة، قلبي لم يعد يشتاق سوى للأكسجين النقي.
ثم ركب شاب بصحبة أصدقاءه وكانوا يريدون الوصول لكافيه في حي شهير
ثم أجاد عليَّ الشخص الجالس بجانبي بلفافة تبغ لأبلغه بابتسامة مصانعة باعتذار أنني لا أدخن
ثم لم يعبًا برأيي وأشعلها هو وأصدقاءه
ولا أعلم هل معنى أنني لا أُدخن، أنني عاشق لرائحة الدخان!
لوهلة حضر بخلدي رائحة عطر الفتاة مقارنة بذلك..لقد كان نعمة.
ثم كانت الخاتمة التى لأول مرة لم أردها أن تنتهي، كانت غيرهم لا أريد أن أقول مختلفة لكنها كانت أجملهم..أنقاهم..أكثرهم تميزًا
لعلك تنظر إليَّ بدهاء كيف لي بمعرفة ذلك من الوهلة الأولى؟
لكنني كما أخبرتك في البداية، أنا اكثر الناس معرفة بهم وهم أكثر جهل بي
وهذه قد ركبت في الخلف، لم تنظر إليَّ
كانت تنظر إلى الطريق وأنا كنت أنظر إليها في المرآة
لأول مرة لا أعلم الجهة، لا استطيع النظر سوى لعيناها وكأنها آسرتني بملائكية لم اعتدها في البشر
لماذا الطريق على وشك الإنتهاء؟ هل أتحدث إليها! أسألها عن اسمها
ثم تذكرت عهدي القديم بأن لا يطأ قلبي أحد، بأن الكل عابر، بأنني لو قابلت الحب سأتركه خلفي لفرصة أفضل مني
لقد علمت اسمها الآن دون أن اسأل..عابرة
وما أنا سوى شخص لا يعلم جهته
لا أدري سوى أننا قد وصلنا إلى جهتها
وعندما بادرت بدفع الأجرة قلت لها بابتسامة حقيقية هذه المرة
-لقد تم دفع الأجرة من قبل سيدتي
ولم ادع لها الفرصة للرد وذهبت ومازالت يداها ممتدة بالمال
وأنا يدي قد أمدت لها قلبي دون أن أشعر
"إلى عابرة حبي الوحيد الذي صادفته بين أناس متباينة..لقد رددت إلى أرذل العمر ومازلت سائقًا بعد المرة الأولى والأخيرة التي رأيتك بها بخمسة أيام لم استطع التوقف عن التفكير بكِ حتى قادني قلبي إلى جهتك ولكنني لم أجدك ثانية حينها علمت أن الفرصة تأتي مرة واحدة وأنني لم أصل أبدًا"
حينما أتت المعجزة لم أتهيأ أن اكون نبي.
بقلم - ندى سامح:




يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق