هيرمس
شايل جيل
ليلة مع الذئاب
في ذاكرة كل قاض.. قضية محفورة في وجدانه..تفاصيلها..أحداثها ..لم يمحها الزمن ..نسترجع مع قضاتنا الأجلاء بعضا من تلك القضايا .

هربت من جحيم أسرتها في إحدى قرى محافظات الصعيد باحثة عن ذاتها ونفسها ..هربت لعلها تجد لدى عمها الذي ترك القرية وعاش في المدينة يلبي طموحاتها ورغباتها ..هربت وهي لا تدري أن القدر سيسوقها لحيث لا تدري .. وكان سوء الحظ حليفها بعدما سقطت في فخ الذئاب البشرية الذين استغلوا براءتها واستدرجوها إلى منطقة تمكنوا فيها من اغتصابها ..قتلوا فيها البراءة وحولوا حياتها إلى جحيم , وبدلا من أن تتزوج بفتي الأحلام الذي كانت تحلم به , كان حظها العسير أن تتزوج بالمغتصب الذي أجبر على الزواج منها حتى يسترها ويهرب من العقاب ..تفاصيل الليلة الحزينة والأيام الصعبة التي عاشتها الفتاة كانت واحدة من أهم القضايا التي حققها المستشار صفوت سليمان الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة , عندما كان وكيلا للنائب العام عام 1986 بنيابة بولاق أبو العلا والتي هزت الرأي العام وقتها .

الحكاية بدأت عندما خرجت الفتاة من منزل أسرتها بإحدى قرى محافظات الصعيد بعد مشاحنات وخلافات كبيرة مع والدها , فاستقلت القطار قادمة إلى العاصمة حيث يقيم عمها مع أسرته , لحظات ووقف القطار في محطة رمسيس , شعرت الفتاة بالراحة والأمان والإطمئنان فما هي إلا لحظات وتبقى مع عمها الذي عرف بالرحمة والحنان وتشجعيه لفتيات العائلة على أن يكن لها كيان ومستقبل , نظرت الفتاة يمينا ويسارا وخرجت من المحطة تبحث عن العنوان , استوقفت شابا تسأله كيف باستطاعتها التوجه للمكان الذي يقيم فيه عمها , خدعها بمعرفته المكان , واعتقدت أنه بشهامة ولاد البلد سيكون معينا ومساعدا لها , إلا أن ما يخفيه القدر لها لم تكن تتخيله أو تتوقعه , سارت معه في الطريق من محطة رمسيس حتى منطقة بولاق أبو العلا , ظل يطمئنها بين الحين والآخر أنها لحظات وتكون أمام بيت عمها , استدرجها إلى عقار خال من السكان لتجد نفسها بين خمسة من الذئاب البشرية ..شعرت الفتاة بأنها سقطت في الفخ وظلت تصرخ لعلها تجد من يغيثها وينقذها من أذناب البشر , إلا أنهم استطاعوا كتم أنفاسها , وقسموا أنفسهم ما بين أحدهم يمسك يديها ويكتفها والآخر ينزع عنها ملابسها حتى أصبحت عارية فطرحوها أرضا وتناوبوا الاعتداء عليها بلا رحمة أو شفقة لتوسلاتها ..شعرت الفتاة بالإنكسار وفقدانها كل شئ ..وليس هناك للفتاة شئ أهم من شرفها الذي دنسه الذئاب الذين ارتدوا ثياب البشر !! .

انهمرت الفتاة في البكاء , بينما الألم يمزق جسدها , والدماء تلوث ملابسها , وسرعان ما أمسكت ملابسها وقامت بارتدائها مسرعة , بينما أمسك الجناة بالسجائر يشعلونها بعد قضاء متعتهم وشهواتهم , خرجت الفتاة والدموع تنهمر من عينيها لا تعلم أين تتجه ؟! , حتى انتهى بها المطاف إلى قسم بولاق أبو العلا وما هي إلا لحظات حتى قابلت المقدم حسن يحيي رئيس المباحث آنذاك , وقامت بإبلاغه بتفاصيل ما حدث لها وقامت بالإدلاء بمواصفات الجناة والمنطقة التي تعرضت فيها للحادث البشع .

على الفور ..تم تحرير محضرا بالواقعة وعرضه على النيابة ليتم فتح تحقيق وسماع أقوال المجني عليها في سرية تامة , في الوقت الذي تمكن فيه رجال المباحث من تحديد الجناة , بل والقبض على أحدهم وعرضه على النيابة أيضا , ليتم مواصلة التحقيقات وتعرفت الفتاة على المتهم وأخبرت عن دوره في الجريمة .

حاول دفاع المتهم , البحث عن مخرج للمتهم ,فاستغل طوق النجاة الذي كان سائدا في هذا الوقت , أن الجاني يقضى ببراءته إذا تزوج الضحية لمدة ثلاث سنوات , ويخرج معه كل من شاركه في ارتكاب جرمه وكأن شيئا لم يكن , وهذا طبقا لنص المادة 291 من قانون العقوبات التي تنص على أنه "إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجا شرعيا لا يحكم عليه بعقوبة " , حتى صدر القانون رقم 14 لسنة 1999 والذي بمقتضاه تم إلغاء المادة 291 ..فأصبحت عقوبة المغتصب هي الإعدام شنقا أو السجن المؤبد .

 وقف المتهم يتساءل مع الحاضرين , كيف أتزوجها وقد كنت واحدا من الخمسة المغتصبين ؟! ..فلم يكن أمامه سوى ستر الفتاة مقابل منحه فرصة أخرى وهو الهرب من الإعدام أو المؤبد ..وافق على الزواج وحضر المأذون وتم عقد قرانهما ووافق على القائمة التي كانت وقتها بمبلغ 20 ألف جنيه وفي النيابة تم انهاء الإجراءات وأخذت التعهدات اللازمة والتأكيد عليه بأنها أصبحت زوجته وعليه أن يصونها ويحفظ عرضها ولا يعرضها لمكروه وسوء .

إلا أن الصحافة ظلت تتابع تلك القضية وتم نشر خبر القبض علي الجاني , بل وزواجه من الضحية , لأجد بعدها بأيام بأن والد المجني عليها قد علم وحضر من الصعيد واتجه إلى النيابة وطلب مقابلة وكيل النيابة صفوت سليمان وقدم له الشكر على ستره ابنته ليتأكد عما اذا كانت الفتاة هي ابنته أم لا ؟!..بينما لا يعلم أنه يبحث عن ابنته ومغتصبها ليمحو العار الذي لحق بهم وليكتب نهاية من داس كرامتهم , فالشرف لديهم كالنار يتم حرق من اقترب منه .

خرج الأب من النيابة وعلامات الضيق والحزن تتملكه , خرج كالجريح الذي يبحث عن شئ يداوي جراحه , فلم يكن أمامه طريق سوي الطريق المعهود بالانتقام والتخلص من الذئب المفترس ومحو هذا العار , تحصل الأب على السلاح الآلي , وحدد المكان الذي تقيم فيه ابنته مع المغتصب , وفي ليلة ظلماء توجه إليهما وقام بقتله بالطلقات , بينما أمسك ابنته وحاول العودة بها إلى الصعيد , إلا أن الأهالي قاموا بإخطار رئيس المباحث وقتها ليتمكن ومعاونه النقيب مصطفي شحاته من ضبط الجاني وتقديمه للعدالة .

 

 

 

 





يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق