هيرمس
شايل جيل

حكايات الفتوات .. الحلقة الأولى

الفتوة حامى  الحارة المصرية من مقاومة الفرنسيين إلى ابتزاز الراقصات
في الثلاثين سنة الأخيرة من عصر السلاطين المماليك بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، لم تعد هناك دولة وظهرت تشكيلات عصابية كبيرة


حاربوا الفرنسيين عندما اقتحموا الأزهر فى رمضان  .. تصدوا للمماليك والوالي العثماني 
 
في الثلاثين سنة الأخيرة من عصر السلاطين المماليك بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، لم تعد هناك دولة وظهرت تشكيلات عصابية كبيرة تضم ما بين 300 أو 400 رجل ينهبون الأسواق،  ومن هنا بدأ الفتوات يكونون فرق للدفاع عن أحيائهم ( لجان شعبية )بالإضافة للدور المنوط بهم من البداية وكان إغلاق البوابات في المساء و إنارة المصابيح والتفتيش عن الأغراب. 
وشيئا فشيئا أصبح لكل حي أو مدينة في القاهرة والإسكندرية  وهي أكبر المحافظات وقتها - فتوة أو فتوات لحماية الأهالي.
حيث لعب هؤلاء الفتوات دورا بطوليا لحماية الأهالى من بلطجة اللصوص والتصدي للمحتل ووقعت أحداث فى شهر رمضان عنف  ولعب هؤلاء الفتوات دورا محوريا مع الأهالى فى الوقوف ضد المعتدي
حيث سجّل المؤرخ الأشهر لتاريخ مصر عبدالرحمن الجبرتي، في حياته العديد من الحكايات عن شهر رمضان، ربما كان أكثرها زخمًا بالأحداث هو ذلك الذي عاصر الحملة الفرنسية على مصر، وشهدت فيه مصر العديد من التحولات على المستويات السياسية والاجتماعية.
روى الجبرتي عن ما وصفه بـ"رمضان القهر" عام 1799، وكانت مصر في ذلك الوقت قد سيطر عليها نابليون بونابرت، فذكر أن:
"القاهرة تحت رايات الفرنسيس وقد منيت بالهزيمة والخوف".
ووصفها بأنها "المدينة المضطربة بعد فشل ثورتها"، وحكى عن مُشاهداته لجنود الاحتلال وهم يضربون العُزّل بالمدافع، ويقتحمون الجامع الأزهر بالخيول، وفي الوقت ذاته كان نابليون يبسط سلطته ويوّسع رقعة الأراضي التي يحتلها، ويستولي على الأرض تلو الأخرى، حتى وصل لأسوار عكا، ليأتي رمضان التالي الذي عجز فيه أمام أسوار المدينة، وحاصر جيشه الطاعون وجيوش الإنجليز والعثمانيين، ما جعله يتسلل عائدًا إلى بلاده واضعًا سُلطاته في يد نائبه كليبر، ليصل بعدها مبعوث السُلطان "الأغا العثمانلي" الذي فرح به الناس في البداية على أنه المخلص، ولكنه كان عمليًا، فطالب الناس بدفع ثلاثة آلاف كيس لترحيل الفرنسيس، وثلاثة الآف أخرى لدخول العثمانلي.
وتعود القاهرة للغليان بعد أن أجبر كليبر الأتراك على التراجع، مما أصاب المصريين بخيبة الأمل والإحباط، لتخرج القاهرة الثانية في ثورة أخرى صاحب أصحابها الأمل في الخلاص، فأغلقوا أبواب المدينة أمام الفرنسيين، وأقاموا المتاريس، وأنشأوا معملًا صنعوا فيه البارود بينما اجتمع الحدادون ليصنعوا المدافع البدائية بعد أن وجدوا أن نابليون قد فتح بلادهم بها، و"رفضوا توسط المشايخ للصلح مع جنود صاري عسكر"، ولكن الفرنسيين ردوا بوحشية، وحاصروا المدينة وقصفها بالمدافع الحديثة، وأحرقوا الكثير من الأحياء، وفي المقابل قاتل أهالي بولاق حتى النهاية على أنقاض المدينة المحترقة، حتى صارت جثث القتلى مُتناثرة في الطرقات، واحترقت الأبنية والدور، ليأتي السوري سليمان الحلبي بعد شهر ونصف من إخماد الثورة ليُنهي حياة كليبر مُنتقمًا لمّا أصاب إخوانه المصريين على يديه.
ويأتي "رمضان الفوضى" عام 1804 بدخول العثمانيين البلاد بعد انسحاب القوات الفرنسية على رأس موكب طويل أسموه "موكب النصر" بعد معركة لم يخوضوها، وفور استقرارهم أعلن القاضي العثمانلي أن مصر "دار حرب" وأن البلاد صارت ملكًا للسلطان، وثار شيوخ الأزهر على الحكم، والقاضي الذي أعطى فتوى شرعية للنهب والسلب، وهرعت الفرق الأجنبية التي أحضرها العثمانيون على الأسواق كالجراد، فكانوا يقتلون الناس بلا تمييز، وانتهكوا حرمة النساء، وكان هؤلاء الجنود يجاهرون بالإفطار في الأسواق، وعاشت القاهرة في فوضى مريعة، وحينها ذهب الجبرتي إلى نقيب الأشراف السيد عمر مكرم يسأله عن الحل، فاصطحبه إلى محمد على، وأكد له أن الخلاص سيكون على يد هذا الرجل.
وفي العام التالي كان محمد على قد أصبح الوالي الجديد، ولم يكن باقيًا على العيد سوى يوم أو اثنين ويتم زفاف خليل ابن الجبرتي على عروسه، فوجئ بعد عودته من قصر الباشا الذي يعمل فيه في الميقاتية (مؤقتًا للصلاة وظهور هلال رمضان وشوال) بخمس رجال يسدون طريقه وعلى رأسهم صهر الباشا محمد بك الدفتدار، الذي اقترب منه وطعنه حتى يكف الجبرتي عن التطاول على محمد على، الذي كان بدأ في تنفيذ مخططه في حكم البلاد، فهدم وصادر وامتلك، ولم يترك لأهلها سوى المقابر، مُخالفًا بذلك كل وعوده للعلماء بتحقيق العدل بين الرعية، وكان أول ضحاياه هو عمر مكرم الذي نفاه، وأعقبته مذبحة المماليك الشهيرة، وسلب الفلاحين كل شيء، بعدما كان وعدهم برفع ظلم الإقطاعيين، فكتب الجبرتي مُخاطبًا مصر:
"انظرى إلى أولادك وهم حولك مشتتون متباعدون مشردون، استوطنك أجلاف الأتراك واليهود وأرذال الأرناءوط، صاروا يقبضون خراجك، ويحاربون أولادك، ويقاتلون أبطالك، ويقاومون فرسانك، ويهدمون دورك، ويسكنون قصورك، ويفسقون بولدانك وحورك، ويطمسون بهجتك ونورك، قُضيَّ الأمر، وخلصت مصر لمحمد على، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
فحاول محمد على أن يُغريه بالمناصب تارة، ويرهبه بالموت في سجن القلعة تارة أخرى، ثم قتل ابنه ليلقنه درسًا، وكلفّ الشيخ حسن العطار بكتابة تاريخ مضاد للتاريخ الذي كتبه.

بداية الفتوات  كما اتفقت أغلب المراجع جاءت في نهاية الحكم العثماني، حينما أصبحت سيطرة الدولة ضعيفة، وعاد المماليك لسيرتهم الأولى في الاستيلاء على الأموال وسرقة المحلات التجارية والأطفال، لذلك ظهر في كل حارة رجل ذو قوة جسمانية وجمع معه عدد من الرجال لوقف عمليات النهب التي يقوم بها المماليك، وأحيانا كان يتصدى لغارات رجال الوالي العثماني.
مع الحملة الفرنسية على مصر كان دور الفتوة أصبح أكثر تأثيرا، فحينما انكسرت شوكة الجيش العثماني على يد الفرنسيين ومن بعدهم المماليك، لم يكن هناك من يدافع عن القاهرة سوى فتوتها، فتجمع فتوات الأحياء والحارات لتنظيم خطوط الدفاع الشعبي ولكن نابليون استولى على القاهرة.

وفي 20 أكتوبر عام 1798، كان الفرنسين قد فرضوا العديد من الضرائب على المصريين الأمر الذي أدى لتصاعد موجات من الاحتجاج ضد الاحتلال الفرنسي، وكان في طليعة الثائرين فتوات الأحياء ورجالهم وأيضا عدد من المماليك الذين رفضوا التسويات التي عقدها بونابرت مع قادتهم.
استمرت أحداث العنف والتي أطلق عليها تاريخيا " ثورة القاهرة الأولى" حتى يوم 5 ديسمبر من عام 1798، قام خلالها المصريين بقيادة فتواتهم بشن هجمات على معسكرات الفرنسيين في القاهرة، وأغلقوا الأحياء وأقاموا المتاريس وافقوا البيع والشراء، بل وقاموا بقتل حاكم القاهرة الفرنسي " ديبوي" الأمر الذي جعل نابليون يعطي الأمر بضرب القاهرة بالمدافع التي كان نصبها على قمة جبل المقطم.
اجتاح الفرنسيون القاهرة ونجحوا في إخضاع حي الأزهر الذي كان هو قلب الثورة، بل دخل الفرنسيون جامع الأزهر وضربوه بالمدافع وقتلوا شيوخه وتلاميذه واحرقوا الكتب التي وجودها حتى توصل لهم من بقي على قيد الحياة من مشايخ الأزهر بالتوقف، ليستجيب بونابرت، نظير توقف أعمال العنف من قبل المصريين وأطلق على الفتوات لقب الحشاشين  .
بعد رحيل الحملة الفرنسية أصبح الفتوة هو المسيطر على الحارة المصرية، حتى بعد إعادة تكوين الدولة المصرية الحديثة على يد محمد على، لم تنتهي سيطرة الفتوة بل زادت، أصبح هو حامي الحارة وأحيانا سيدها ومالكها، وانشغل الفتوات في تصفية حسابات بينهم وبين بعضهم البعض، تلك الحسابات التي نشأت بعدما أصبح لكل واحد تجارة ومصالح متضاربة.

 

موضوعات ذات صلة .. 

الفتوة حامى الحارة المصرية من النبوت إلى ابتزاز الراقصات

مقتل راقصة ينهي عصر الفتوات .. بعد ٦ قرون من حماية الحارة المصرية





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق