هيرمس
شايل جيل

حكايات الفتوات الحلقة الثالثة

مقتل راقصة ينهي عصر الفتوات  .. بعد ٦ قرون من حماية الحارة المصرية
هكذا كان "عالم الفتوة" الذى استمر قرابة ستة قرون عندما تواجد الفتوة بداية من نهاية القرن الخامس عشر الميلادي حتى ستينيات القرن الماضى الذي كان هدفه حماية الناس

النحاس باشا ألغى  الفتونة .. ولكنه ظل رافعا نبوته حتى ستينيات القرن الماضى  

 

هكذا كان "عالم الفتوة" الذى استمر قرابة ستة قرون عندما تواجد الفتوة بداية من نهاية القرن الخامس عشر الميلادي حتى ستينيات القرن الماضى  الذي كان هدفه حماية الناس وجلب الحقوق للضعفاء والمساكين .. الإ أن أصبح "الفتوة" تقترن بأعمال البلطجة وتحقيق مصالح شخصية على حساب المواطنين الأبرياء.. فبدأ الفتوات في الحصول على إتاوات مقابل تجنب بطشهم وليس مقابل الحماية كما كانت قديما.

مقتل راقصة ينهي عصر الفتوات

في 22 مايو عام 1936 اكتشفت جثة الراقصة وصاحبة ملهي "البسفور" امتثال فوزي، مطعونة "برقبة زجاجة" في عنقها، خلف الملهي الذي تملكه مع صديقتها ماري منصور بمنطقة رمسيس، تلك الحادثة لم تمر مرور الكرام فقد تصدرت الصحف وقتها، الأمر الذي جعل النحاس باشا رئيس الوزراء وقتها ينتدب اثنين من موظفي الداخلية لحضور التحقيقات والكشف عن ملابسات الجريمة واطلاعه عليها أول بأول.

وتبين من التحريات أن القاتل هو "كمال الحريري" أحد رجال فتوة شارع عماد الدين "فؤاد الشامي" وأنه قام بقتلها بتحريض من فؤاد الشامي، والسبب هو أن امتثال فوزي كانت ترفض أن تدفع "الإتاوة" لفؤاد الشامي والتي كانت تبلغ "50 جنيه" شهريا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هددت امتثال رجال فؤاد انها ستقوم بإبلاغ البوليس عنهم وعن زعيمهم، وهو ما جعل الشامي يشعر أن هيبته أصبحت في الأرض، فاتفق مع الحريري على قتلها، وقد تم عمل قصة حياة امتثال فوزي ومقتلها فيلم حمل اسم "امتثال" جسدته الفنانة الراحلة  ماجدة الخطيب .

وعقب هذه الجريمة  أعلن مصطفى النحاس إلغاء العمل بنظام الفتونة،

 

كانت امتثال فوزى من أشهر راقصات كازينو بديعة  مصابنى ، ولدت امتثال واسمها الحقيقي "أسماء" فى قرية "مير" التابعة لمركز ديروط ثم نزحت مع عائلتها للاسكندرية ، التحقت بمدرسة "افيروف" بالعطارين وتعلمت اللغة اليونانية ، ولكن امها فضلت إخراجها من المدرسة وابقائها بالمنزل ، وبسبب ظروف مرت بها احترفت الرقص ، وكانت تعمل بمقهى الغزاوى بالاسكندرية ، وبلغت شهرتها الآفاق مما دفع بديعة مصابنى للذهاب إلى الإسكندرية للتعاقد مع امتثال فوزى للعمل فى صالتها بكازينو بديعة بعقد كبير، وبالفعل عملت بالقاهرة وأصبح لها معجبيها ، بل انها اشتركت فى السينما  بعدة أعمال منها فيلم الهارب فيلم حظ المحب .

تركت امتثال فوزى العمل بصالة بديعة واشتركت مع صديقتها مارى منصور فى ادارة صالة بجوار محطة مصر عرفت بمسرح او كازينو البسفور.

فى ذلك الوقت كان فؤاد الشامى فتوة عماد الدين والذى كان رجاله يسيطرون على الشارع مشغولون دائما بجنى الإتاوات وبعض العمليات التى تدر عليهم ارباح كبيرة ،ولم يشغل بال فؤاد الشامى بتحصيل اتاوة من امتثال فى حين انها تدفع لغيرة من الفتوات ، على الرغم من وقوعها فى منطقة نفوذه.

ولكن جمال ونفوذ امتثال وشهرتها بلغ مداه، مما دفع الشامي فرض اتاوة عليها ، التي لم تتردد في اعطائه ما طلب تجنبا لشره.. لكن يبدو أن الطمع أعمى بصيرته فأخذ كل فترة يطلب منها المزيد حتى ضاقت به ذرعا ، مما جعلها ترفض دفع اى اتاوة يطلبها الشامى او غيره من الفتوات ، مما اوقعها فى الكثير من المتاعب، وبالفعل أرسل فؤاد الشامي أحد رجاله إلى امتثال للجلوس معه فرفضت ، مما أذهل الشامى ، ففى الوقت الذى تدفع له بديعة وتلاطفه ترفض امتثال .

 

مما جعله يفرض اتاوة عليها 50 جنيها شهريا والا قام بقتلها ،، ابلغت امتثال رجال الشرطة وكان قسم الازبكية يطل مباشرة على كازينو البسفور ، فلما علم الشامى بذلك احس بضياع هيبته بين رجاله ، ومما زاد الموقف امتناع بعض راقصات عمادالدين دفع الاتاوات ، فدفع الشامى بأحد رجاله ويدعى"كامل الحريري" مساء يوم الجمعة 22 مايو 1936م ،فانتظرها خلف مسرح البسفور وقام بضربها  برقبة زجاجة مكسورة فى عنقها لتلقى حتفها على الفور.

تم القبض على كامل الحريري والذي اعترف بجريمته ،فتم القبض على فؤاد الشامى وعصابته ، وقد شهد فى هذه القضية الكثير من الفنانين ومنهم رتيبة وإنصاف رشدي شقيقات فاطمة رشدى واعترفوا بالاتاوات التي كان يفرضها عليهم الشامى وغيره .

حكم على الشامى بالمؤبد ، وظل بالسجن حتى عام 1957م،وكان قد ندم علي حياته السابقة وتاب  ،وعند خروجة من السجن قال:

الله يخزي الشيطان، لقد كانت امتثال جميلة حقًا لا تستعمل مواد الزينة، وكانت أيضًا محبوبة من زميلاتها ومن العاملين معها، وكانت إذا ما طالبتها بفلوس تشتمني باليوناني، فأقول لها: إذا كنتِ شاطرة اشتميني بالعربي، فتنطلق فورًا في شتمي بالعربي دون أن تخشاني مع أني كنت (شيطان فظيع)!، ولكنني كنت أحبها ،منحته محافظة القاهرة كشكا لبيع الحلوى وظل يبيع ويشتري حتى توفي .

لم ينتهي  عصر الفتوات بقرار النحاس، ظل الفتوة في حارته هو سيدها ومالكها، وظل  عصر الفتوات موجود حتى بعد قيام ثورة 1952،

وربما الدليل على ذلك تلك اللافتة التي كتبها فتوة حي بولاق " إبراهيم كروم" في استقبال الرئيس جمال عبد الناصر في عودته من احدى الزيارات خارج البلاد قائلا " " إبراهيم كروم فتوة مصر يحيى جمال عبد الناصر فتوة العالم".

الغريب أن إبراهيم كروم بعد تلك الواقعة بشهور تم إلقاء القبض عليه بتهمة الانضمام لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وذلك بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، حيث كان كروم عضوا بجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1944.

أما فى عصر محمد على فقد أصبحت كلمة فتوة كلمة سيئة تعنى الشخص المستهتر الذى يثير الشغب ويمارس كل أشكال العنف على الضعفاء، وبالتالى تحول الفتوات فى الأحياء الشعبية إلى أشخاص تحمل نفس النظرة المجتمعية التى ينظر بها إلى البلطجى حتى وصل الأمر إلى صدور قانون لمكافحة البلطجة التى كانت أداة من أدوات الحرب لكنها تحولت الآن إلى أداة تخويف وترويع للآمنين بتعدد اشكالها من مطواة قرن غزال إلى سنجة وسيف وجنزير وخنجر ثم أسلحة نارية إلى جانب الأساليب الحديثة التى لا تعرف مبادئ ولا قيم ولا تحترم حتى القواعد والقوانين

في أوائل الخمسينيات ، شهدت مصر الكثير من المقاهي التي يملكها فتوات ذلك العصر، وكان هؤلاء الفتوات الذين سعت السينما كثيرًا لتقديم عالمهم الأشبه للحكومات الصغيرة، والتي يلجأ إليها الضعفاء في حالة التعرض للظلم، كذلك كان الفتوات سلطة غاشمة، في حالة ما إذا كان الفتوة يفرض الإتاوات على الناس، ويقاسمهم في أرزاقهم.

موضوعات ذات صلة ..

الفتوة حامى الحارة المصرية من النبوت إلى ابتزاز الراقصات ..1

الفتوة حامى الحارة المصرية من النبوت إلى ابتزاز الراقصات





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق