تضم سور القرآن الكريم الكثير من صيغ الدعاء سواء التي وردت على لسان الأنبياء والرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام أم التي وردت على لسان الصالحين رضي الله عنهم ألحقنا بهم على خير. ((الجمهورية اونلاين)) تستعرض طوال أيام شهر رمضان المبارك بعض الأدعية الواردة في القرآن الكريم.
ونقدم لك عزيزي القارئ في الحلقة الثامنة من هذه السلسلة الدعاء الذي ورد في سورة آل عمران مع تقديم تفسيرات مبسطة لهذا الدعاء العظيم.
((رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)) آية 38 سورة آل عمران
هذه إحدى دعوات النبي زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام التي قصّها اللَّه تعالى في كتابه.
لما رأى زكريا أنّ اللَّه يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذٍ في الولد، وكان شيخاً كبيراً قد وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعقيماً، لكنه لكمال إيمانه، وحسن ظنه بربه بكمال قدرته تعالى، ونفوذ مشيئته وحكمته، أقبل على الدعاء من غير تأخير.
سأل ربه، وناداه نداء خفياً، وجاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأنّ الهبة إحسان محض، ليس في مقابله شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد؛ لكبر سنّه، ولا للوالدة؛ لكونها عاقراً لا تلد، فكأنه قال: أعطني من غير وسط معتاد. لأنه لم ينظر إلى الأسباب والمسببات بظروفها العادية؛ بل نظر إلى خالقها، وموجدها، ومكونها، وهذا هو الإيمان الصادق الخالص للَّه تعالى، وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته، وسحب فضائله التي لا تحدّ ولا تعدّ.
((مِن لَّدُنْكَ)): أي من عندك، ليكون أبلغ وأعظم؛ لأنّ هديّة الكريم عظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم.
((ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)): في تقييد الذرية بالطيّبة إشارة مهمّة أنّ العبد لا يسأل اللَّه تعالى الذرية فقط، فلابدّ أن يقيّدها بالصلاح والطيب التي يُرجى منها الخير في الدنيا والآخرة، فالذُّرِّيَّة الطيّبة، هي الطيّبة في أقوالها، وأفعالها، وكذلك في أجسامها، فهي تتناول الطيب الحسّيّ، والطيِّب المعنوي.
(( إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)): أي إني ما التجأت إليك، وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء، غير مخيّب للرجاء، وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى، وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء، فجاءته البشارة العاجلة عقيب السؤال، كما أفاد ذلك حرف التعقيب (الفاء) في قوله: ((فَنَادَتْهُ الْـمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْـمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِـحِينَ)) آية 39 آل عمران
تضمّن هذه الدعاء المباركة فوائد، وحِكَماً، منها:
إنّ جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه، حتى الأنبياء لا يستغنون عن دعاء اللَّه تعالى في كل أحوالهم.
إن من أعظم التوسل إلى اللَّه بالدعاء هو اسم الربّ لأنّ إجابة الداعي من مقتضى الربوبية؛ فلهذا يتوسل الداعي دائماً باسم الرب
إنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية؛ لأنّ الذريّة قد يكونون نكداً وفتنة، وإنّما يسأل الذريّة الطيّبة.
إنّ حُسن الظنّ من حسن العبادة، وأنه تعالى يجازي عبده، ويعطيه على قدر حسن الظنّ به.
إنّ من تمنى أمراً عظيماً، أو رأى شيئاً جليلاً يتمناه، أن يقبل على الدعاء في لحظته، ولا يؤخره.
إنه ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة، ومنها الدعاء؛ دعاء اللَّه تعالى، وهو من أكبر الأسباب.
دلالة على أن الدعاء يردّ القضاء.
إثبات سمع اللَّه، وكرم اللَّه تعالى، وقدرته، فهو يسمع الدعاء، ويجيب من دعاه، وقادر على الإجابة
أهمية التوسل بأسماء اللَّه المضافة (إنك سميع الدعاء)، وأنها من أعظم الوسائل إلى إجابة الدعاء، حيث اختاره دون غيره من الأسماء.
إنه كما يُتوسل إليه تعالى بأسمائه، كذلك يُتوسل إليه جل وعلا بأفعاله، وتوسّل بصفة الهبة، وهي صفة فعلية، وهي مشتقة من اسمه (الوهّاب).
أن في ذكر هذه القصة العجيبة، وما تضمنته من دعوة جليلة حتى لا ييأس أحد من فضل اللَّه تعالى ورحمته، ولا يقنط من فضله تعالى وتقدّس.
يستحب الإسرار بالدعاء.
استحباب الخضوع في الدعاء، وإظهار الذُّلِّ، والمسكنة، والضعف.
أنّ من أحبّ الوسائل إلى اللَّه تعالى التوسل إليه بضعف الداعي، وعجزه، وفقره إلى اللَّه تعالى.
أنَّ الشكوى إلى اللَّه تعالى لا تنافي الصبر، وإنما هي من كمال العبودية للَّه تعالى.
يُستحبّ التوسّل إلى اللَّه تعالى بنعمه، وعوائده الجميلة السابقة عليه. ويستحسن للداعي أن يستحضر نعم اللَّه تعالى عليه، وأنوع إحسانه بين يدي دعائه.
ينبغي للداعي أن يكون جُلُّ دعائه في مطالب الدين.
أنّ فعل الخيرات والمسارعة إليها من أعظم أسباب الإجابة.
أنّ دعاء اللَّه تبارك وتعالى في حالتي الرغبة والرهبة من أسباب إجابة الدعاء.
أنّ الخشوع من أسباب إجابة الدعاء.والخشوع هو: التذلّل، والتضرّع، والخوف اللازم للقلب الذي لا يفارقه.
المصادر:
روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني للعلامة الالوسي
تفسير آل عمران للعلامة محمد بن عثيمين
صحيح مسلم
صحيح البخاري
البداية والنهاية لابن كثير
تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لابن سعدي
بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية
القياس في القرآن الكريم والسنة والنبوية
تفسير ابن كثير
اترك تعليق