مسجد جينية الكبير .. هو أكبر مبني من الطوب اللبن في العالم .. وهو أهم وأبرز معالم القارة الإفريقية بلا منازع، ويصفه المهندسون المعماريون الأشهر في العالم بأنه أعظم إنجاز معماري، حيث تم بناء جدران المسجد من الطين، وهو مطلي بالطين بطريقة فنية، منحته مظهراً جميلا، فيبدو أمام كل من يشاهده وكأنه منحوت نحتاً ليتمتع المسجد بلمسات إسلامية واضحة دفعت هيئة اليونسكو الى تصنيفه كتراث عالمي يتوجب على العالم حمايته.
بناه الملك كوي كونبورو عام 1240 في موقع قصر عامر
يقع المسجد على ضفة نهر الباني في مدينة جينيه التي تعد من أقدم المدن المعروفة في جنوب الصحراء الكبرى حيث تأسست عام 800 وهي مركز التجارة في قلب الصحراء الإفريقية وتحديداً مدينة تمبكتو عاصمة مالي وقد تحولت إلى مركز للعلوم الإسلامية. وقد بناه الملك كوي كونبورو عام 1240 في موقع قصر عامر قبل أن تصبح جينيه عاصمة لإمبراطورية مالي. وعندما تولى المحارب المسلم أمادو لوبو مقاليد الأمور في المنطقة عام 1834 أمر بهدمه باعتباره ترفا غير لائق.
أعيد بناء المسجد على غرار التصميم الأصلي عام 1896، لكنه هدم عام 1906 لإعادة تشييده مجددا على هيئته الحالية والتي اكتملت في الفترة بين 1907 و1909. ويعود الجزء الوحيد المتبقي من البناء الأصلي في القرن الثالث عشر، هو المقبرة التي تضم أضرحة القادة المحليين. وقد أشرف على بناء المسجد في مطلع القرن العشرين المعماري المالي إسماعيلا تراوري. وفي ذلك الوقت كانت مالي جزءا من مستعمرة غرب أفريقيا الفرنسية.
رمز شامخ على روعة الفن البدائي الخالي من التعقيد
وأخذ المسجد هيئته من تراث أهل مالي وأصولهم وفطرتهم فأصبح رمزًا شامخاً على روعة الفنّ البدائي الخالي من التعقيد فكان دليلاً على عظمة وبساطة العمارة الإسلامية الإفريقية العريقة. وتم بناء جدران المسجد من الطوب اللبِن "الطيني" الذي يعرفه أهالي المطقة باسم "فيري" وغطيت بالطين المخلوط بالتبن، وهو ما يعطي المبنى بشكل عام مظهره الناعم. ويتراوح سمك هذه الجدران بين 41 إلى 61 سنتمترا تبعا لارتفاع الجدار نفسه. فكلما علا الحائط زاد سمكه حتى يتسنى لأساسه حمل ثقله. وميزة هذه الجدران الطينية هي انها تقي الداخل من الحرارة طوال اليوم. وعندما يحل المساء والبرد تكون الجدران قد امتصت من الحرارة ما يكفي لتدفئته.
وأثارت عمارة المسجد - ولا زالت - الدهشة والانبهار بين كل المتخصصين في العالم، فمادة الطين الأساسية في البناء معروفة بضعفها وسرعة تأكلها وتأثرها بالأحوال الجوّية وتقلّباتها، إلا أن البنائين القدماء تغلبوا على هذه المشكلة الكبيرة باللجوء لفكرة الأكتاف وهى عبارة عن دعائم بارزة مهمتها إكساب الهيكل البنائي مزيداً من المتانة والرسوخ والاستقرار.
سعف النخيل لحماية جدران المسجد من التشققات
تم استخدام سعف النخيل في البناء للحد من التشققات الناتجة عن التغييرات في مستوى الرطوبة ودرجة الحرارة، اضافة إلى أنها لعبت دوراً آخر في تزيين القبب، مما أضفى المزيد من التميز على المسجد، الذي قام بناؤه كله على منصة ذات ثلاثة أمتار لحمايته من الفيضانات الناتجة عن الأمطار المتساقطة على نهر الباني. وترتفع فوق قبلة المسجد ثلاث مآذن يميزها عن المآذن المعتادة انها مربعة وتستند إلى 18 دعامة. لكن كلا منها ينتهي بالمخروط التقليدي الذي يحمل بيضة نعامة. وللمبنى فناء يعادل مساحة المصلى الذي يستند إلى 90 عمودا من الخشب وتتخلل سقفه نوافذ تفتح اذا ارتفعت درجة الحرارة فيه.
تتعرض مدينة جينية بشكل شبه منتظم لفيضان نهر الباني وتصبح في هذه الحالة مثل الجزيرة. وهذا أمر انتبه اليه اسماعيلا تراوري فشيد المسجد على دكة عالية تبلغ مساحتها 5625 مترا مربعا يعود اليها الفضل في حماية المبنى من الغرق حتى في أسوأ الفيضانات، إلا انه يتأثر بالأمطار ودرجات الحرارة العالية والرطوبة فتصاب جدرانه بالتشقق ويشارك الالاف من سكان جينية في صيانة المسجد من هذه الآثار في احتفال سنوي يقام خصيصا لهذا الأمر.
مهرجان الطين والتبن لترميم المسجد
ويتم تنظيم المهرجان بوضع الطين والتبن في حفر كبيرة قبل عملية الترميم بعدة ايام وتترك مهمة خلطهما للأطفال. ولا تتعدى هذه المهمة حد السماح لهم باللعب فيها. ثم يقام سباق بين حفر الطين والمسجد نفسه يفوز فيه الرجل الذي يتمكن من الوصول بثقله إلى عمال الصيانة قبل غيره، ثم يشارك الرجال في تغطية جدران المسجد بالطين باستخدام سلالم خشبية للوصول إلى قمة المبنى تحت إشراف رابطة البنائين الماليين وتحت أنظار كبار القوم الذين تقام لهم منصة شرف خاصة بالمناسبة في ساحة السوق التي يطل عليها المسجد.
اترك تعليق