انشغال الناس بالسعي علي الرزق . والخوف من التقارب الذي قد يسبب مشاكل عائلية او الحسد . واكتفاء البعض باسرته فقط. كل هذه ربما كانت اسبابا ادت الي قطع الرحم وعدم التواصل مع الاقارب من الاشقاء والاعمام والعمات والاخوال والخالات. يضاف لذلك جهل الكثيرين لفضل صلة الارحام وكونها تفتح ابواب الرزق امام فاعلها.

اما قاطعها فانه يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر تغلق في وجهه ابواب السماء ولا يقبل الله عمله. ويكفي أن الله سبحانه وتعالي قال في حديثه القدسي موجها كلامه العزيز للرحم: "ألا يكفيكي ان أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟".
يقول د.وليد هندي استشاري الصحة النفسية إن صلة الارحام من أهم القيم الإنسانية النبيلة التي تجعل الإنسانپ يقوم بعمل التوازن بين متطلبات المادة والحياة وبين السمو والصفاء الروحي لديه. فكل إنسان يصل رحمه يتمتع بصحة نفسية جيدة أعلي من أقرانه ويتمتع أيضا بالدعم النفسي للآخرين وقادر علي اجادة المساندة الاجتماعية في الازمات ويكون أقل عرضه للامراض النفسية وأكثر بشاشة وأكثر شعورا بالجاذبية الاجتماعية ويتمتع بالسلوك الحميد وحسن السمعة ومكارم الأخلاق وبالتالي يؤثر ذلك في مفهومه نحو ذاته ويكون أكثر إيجابية ولديه شعور بالرضا النفسي ويحظي بقبول واحترام الآخرين حتي وسط أسرته الصغيرة بين زوجته وأبنائه ويكون قدوة ونموذجا لهم .

الجزر المنعزلة
أضاف: للأسف اختفي مفهوم "صلة الرحم" في الوقت الحاضر مقارنة بالماضي وذلك لعدة اسباب منها حياة الجزر المنعزلة التي يعيشها كثير من الأسر وشعورهم الدائم بالبحث عن الاستقلالية والبعد عن الجميع واكتفاء كل فرد فقط بأسرته وانحسار السؤال علي الأهل عن طريق رسائل في الأعياد والمناسبات أو مكالمة من السنة للسنة فكل هذا ادي في النهاية الي انقطاع صلة الرحم. بالاضافة الي الخواء الروحي الذي يعيشه الإنسان المعاصر بمعني أن كل خطوة أصبحت تحسب بالماديات بعيدا عن المشاعر الحميدة فالسعي وراء المادة جعلنا نتخلي عن القيم الإنسانية النبيلة فمع وجود المقارنات بين الناس بعضهم البعض جعل الأمور صعبة واصبح البعد هو الحلپخوفا من الحسد مثلا او حدوث اي مشاكل اسرية فالجميع اغلق الابواب علي نفسه نتيجة لنمط الأسر التنافسية ومع ارتفاع معدل الجرائم الأخلاقية في المجتمع مثل التحرش الجنسي جعل الناس تخشي الاختلاط بالآخرين.
أشار الي أن المبالغة في الاستضافة والتكاليف المرتفعة لمن يقوم بزيارة الاقارب اصبحت تمثل عبئا وثقلا ماديا علي كاهل الإنسان في العصر الحديث مما جعلهم يبتعدون عن صلة الرحم بالصورة الطبيعية .
نصح د.هندي أنه يمكن التغلب علي مقاطعة صلة الرحم بالوعي وتنشيط الزيارات وعدم التكلف في إجراءات الزيارة وإنفاق التكاليف الباهظة في استضافة الأهل والفهم الصحيح لمفهوم صلة الرحم فهي لا تعني مجرد تبادل الزيارات فقط وانما استضافة الوالدين أو الأجداد في المواسم مثل شهر رمضان الكريم الذي يمثل شكلا من أشكال صلة الرحم بالاضافة الي تفقد الأهل والمقربين دائما والسؤال عنهم باستمرار والتصدق عليهم بالمال والصدقات. فالاقربون اولي بالمعروف بالاضافة الي المشاركة الوجدانية في الافراح والتعازي أو المناسبات الاجتماعية العامة سواء النجاح الدراسي أو حضور اعياد الميلاد أو زيارة المرضي فهذه الوسائل أدوات مهمة تعيننا علي صلة الرحم واصلاح ذات البين بين الأقارب وحل مشكلاتهم والوفاق بينهم. كما ان أبرز أشكال صلة الارحام هي الدعاء للاموات فهذا يعد برا للاسرة والأهل والعمل بقول الله تعالي "واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام" صدق الله العظيم.

الانشغال بلقمة العيش
وتقول د.خلود زين "استشاري العلاقات الاسرية والاجتماعية" إن اختفاء صلة الرحم أصبح منتشرا في مجتمعنا لدرجة ان الذي يصل رحمه يكون استثناء وحالة خاصة فالأمر اختلف كثيرا عن الماضي بسبب الانشغال بأمور الحياةپوالبحث عن "لقمة العيش" فمن اسباب قطع صلة الرحم هوپجهل الناس بأهمية تواصل الارحام والثواب الذي يعود علي الإنسان الذي يصل رحمه فهو يكسب الدنيا والآخرة بالاضافة الي ان التكلف الزائد في الضيافة يعني عند الإنسان رد الزيارة ويمكن أن يصل الي حد البذخ والاسراف ولكن كلما كانت تكاليف الزيارة بسيطة بين الناس دون تكلف ستكون أفضل .
أشارت الي أن كل إنسان اصبح مشغولا بحياته وفقا للظروف المادية والاقتصادية بالاضافة الي إلقاء اللوم علي تصرفاته دائما سيكون سببا رئيسيا من أسباب قطيعة الرحم بالاضافة الي ضغوط الحياة اليومية ومشكلاتها التي أحدثت نوعا من الاكتئاب البسيط بمعني أنه يحاول دائما البعد عن الناس وعدم التزامه بزيارة أهله وأقاربه فهو دائم الاهتمام بأمور أسرته فقط ولا يريد الانشغال بمشكلات أخري تزيد من همومه ومشاكله.پ
اكدت د.خلود ان علاج قطع الرحم يتمثل في الاستبصار في القراءة في اضرار قطع صلة الرحم والمعرفة الجيدة بأن كثرة الرزق يأتي دائما لمن يصل رحمه وتعليم الابناء صلة الرحم منذ الصغر وتوطيد العلاقة مع الاقارب عن طريق تخصيص يوم أسبوعيا لزيارتهم. فتربية الابناء بشكل سليم علي صلة الرحم يجعلهم بارين بابائهم وأمهاتهم ويسهم في تعليم الأبناء الايثار ومساعدة الغير. والوقوف مع الاقارب في السراء والضراء ومحاولة ازالة اي خلافات عائلية أو اسرية حتي تسهل عملية صلة الرحم وبر الأهل والاقارب.

أصبحت دينا
د.حسنية البطريق "استشاري علاقات أسرية واجتماعية" قالت: لابد أن نعي أن زيارة الام والاب من الابناء عندما يتزوجون لا تدخل في إطار صلة الرحم لانها فرض علي الإنسان وانما صلة الرحم تنطبق علي الاخ والاخت والعم والعمة والخال والخالة وأولادهم فلابد أن نتعامل بالكتاب والسنة وان نتمسك بما اوصي به رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف "من اراد ان يوسع في رزقه فليصل رحمه" فلابد أن ندعي ان صلة الرحم لا ترتبط ابدا بالمادة وتبادل الهدايا فقط فهي في مفهومها الحقيقي صلة قلبية تواصلية. ليست صلة مادية فقط فلا بد ان تترسخ لدينا مرجعية ربانية ومرجعية قلبيه فليس المطلوب من الانسان ان يحب الشخص الذي يريد زيارته ولكن لابد العمل بمبدأ ان الكلمة الطيبة صدقة وان التجرد من الماديات اولي لرجوع صلة الرحم لان صلة الرحم تحولت الي دين ومجرد تبادل للهدايا والتغاليپفي الاخذ والرد.پ
أضافت إنه لابد أن يتم تبادل الهدايا أثناء الزيارات بحدود والتواصل الاجتماعي مع الأهل والاقارب عنپطريق مكالمة هاتفية أو الرسائل .
الشيخ علي ابو الحسن "رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف سابقاً" قال إن صلة الرحم من العادات التي حث عليها الشرع لأن فوائدها عديدة أهمها تقوية مشاعر الاخوة والمحبة والود بين الناس بعضها البعض ولها فوائد كبيرة في زيادة الرزق وكثرة النعم وحماية الإنسان من الابتلاءات لان استمرار تكاتف الأسر يخلق مجتمعا متكاتفا ومترابطا حيث تتم صلة الرحم عن طريق عدة طرق وهي تبادل الزيارات والمشاركة في المناسبات وإصلاح ذات البين عند وقوع أي مشاحنات بين العائلات.پ
أضاف إن الإسلام أقر ان صلة الرحم من الأمور الواجبة وحرم قطعها وجعلها من الكبائر التي تدخل صاحبها النار فلا يجوز أن يقطع الشخص رحمه حيث لا يقبل الله عز وجل عمل الفرد ولا تفتح له أبواب السماء أمام قاطع الارحام .