هيرمس
شايل جيل

لوجه الله:

هكذا يكون احتفالنا بذكرى مولد الرسول العظيم

      

     

 كل عام وأنتم بخير.. نعيش أجواء ذكرى المولد النبوى الشريف.. وفى هذه الذكرى العطرة لا ينبغى أن ننشغل بشراء حلوى المولد والتهادى بها فقط.. بل الأهم هو الانشغال بأخلاق الرسول وصفاته وشمائله، ومراجعة أنفسنا والإجابة عن سؤال مهم: أين نحن اليوم من أخلاق الرسول العظيم؟

فى ذكرى ميلاد الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه علينا تذكر أخلاقياته الرفيعة وتوجيهاته الكريمة.. فهو الذى أرسى قيم التسامح والرحمة والرفق والعفو بين الناس، وكان نموذجا رائعا فى حسن الخلق، وربى صحابته وأتباعه على كل ما هو راق ومتحضر ويعكس عظمة الإسلام وسمو رسالته.

العطاء الأخلاقى للرسول لا ينضب، وعلينا إذا كنا بالفعل محبين له عاشقين لذكراه العطرة، أن نقتدى به فهو بشهادة القرآن " على خلق عظيم" وبشهادة المنصفين من مفكرى العالم غير المسلمين "أعظم عظماء البشر".

****
لقد تجمع فى رسولنا الكريم كل ما هو محمود من الصفات والخصائص، وانتفى عنه كل ما هو مذموم، ولذلك استحق عن جدارة وصف القرآن الكريم له: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال عليه الصلاة والسلام:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. ومن هنا كان علينا الحرص على كل ما دعانا إليه من خلال توجيهاته الكريمة، والله سبحانه هو الذى أرشدنا الى ذلك فى القرآن الكريم فقال:"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".

إذن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الذى يعلمنا الحكمة، وهى تعنى كل ما هو حسن وفاضل من العلم والسلوك، وهو المبعوث ليتمم لنا مكارم الأخلاق، وكان صلى الله عليه وسلم يشجع دائما على الخلق الحسن، ويجالس الفضلاء الذين يتصرفون بحكمة وأدب وحسن خلق، ولذلك قال فى الحديث الشريف: "إن من أحبكم إلي ّوأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ".

****
والسؤال المهم هنا: كيف نتأسى بالرسول الكريم ونسير على دربه فى حياتنا العامة والخاصة؟
 يقول عالم السنة النبوية د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: "نحن جميعا فى أمس الحاجة الى التأسى بأخلاق الرسول الراقية التى سجلت أعظم درجات الرقى والتحضر، وإظهار الحب والتقدير للرسول يكون من خلال الالتزام بهديه، والسير على دربه، والعمل بتوجيهاته.. وعندما نحرص على ذلك ستعود الفائدة الأعظم علينا حيث رسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الحياة الأخلاقية المثالية التى تحقق للإنسان حياة مطمئنة تغلفها الرحمة والعدالة والمساواة والتسامح.

****
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الآداب الفاضلة والأخلاق الراقية والسلوك المتحضر، وربانا على المثل والمبادىء التى تحقق لنا السعادة والطمأنينة، وتجلب لنا رضا الخالق والمخلوق.. لكن للأسف ابتعدنا كثيرا عن هدى رسول الله، وأهملنا توجيهاته القويمة، فشاعت بيننا البغضاء، وانتشرت السلوكيات المرفوضة، واختفت قيم الرحمة والتكافل والمودة والعفو وغير ذلك من فضائل الاسلام التى تجسدت فى سلوكيات الرسول وأقواله وتوجيهاته الكريمة" .

****
والواقع أن عناية رسولنا العظيم بالجانب الأخلاقى كانت كبيرة وواضحة من خلال توجيهاته ووصاياه، ومن بين الأحاديث التى توضح هذا الجانب قوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
وهذا الحديث يتضمن ثلاث وصايا جامعة تشمل جميع المعاملات التي يستقيم بها أمر الدين والدنيا، وتبين حقوق الله تعالى وحقوق العباد.. فحق الله سبحانه "أن يتقى حق تقاته" بأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، يحمد على السراء والضراء، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.

وأما حقوق العباد فأولها حق الإنسان على نفسه بتحقيق مطالب روحه وجسده، وأن يراقب الله فى كل ما يفعل.. وثانيها حق العباد عليه، وهو أن يعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه به، وبأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويبغض لهم ما يبغض لها، فإن حاد عن طريق الحق والعدل واتبع هوى نفسه وجب عليه أن يعود إلى الحق، وأن يعقب السيئة بالحسنة، والإثم بالبر ليمحو آثار ما صنع، وما اقترف من إثم، وما ارتكب من معصية، وأن يتخلق بالكريم من الصفات ويتجمل بمكارم الأخلاق.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت": توجيه نبوي كريم إلى ما يجب أن يحرص عليه الانسان من سلوكيات أخلاقية فى كل مكان يذهب إليه، فهو سبحانه القائل: "واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير".

وهنا يعلمنا رسولنا العظيم أن الله يرانا ويعلم كل ما نفعله في السر والعلن، وأنه يحصي علينا كل تصرفاتنا، ويسجل علينا أو لنا كل أفعالنا، وهذا يعنى ضرورة أن نكون دائما فى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلينا امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده.. فما أجمل أن ينشأ الإنسان على الطاعة منذ نعومة أظفاره.

وقوله صلى الله عليه وسلم "واتبع السيئة الحسنة تمحها": إشارة إلى ضرورة أن يراجع الإنسان نفسه ويستغفر لذنوبه، ولا يصر على معاصيه وتجاوزاته، وأن يرجع الى الله يطمع في عفوه ومغفرته.

****
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الرائد الأول فى "فنون التعامل مع الناس" وقوله: "وخالق الناس بخلق حسن" تنبيه إلى أن أهم الخصال التى ينبغى أن يتحلى بها الإنسان هى (حسن الخلق) وهو صلى الله عليه وسلم القائل: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"..وهكذا  جاءت توجيهاته الكريمة تحض على كل خلق حسن.

ما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء برسولنا العظيم والعمل بتوجيهاته، والالتزام بسنته، والاهتداء بهديه حتى تستقيم حياتنا العامة والخاصة.
  

[email protected]