هيرمس
شايل جيل

خيوط الميزان

تقرير سياسي عن أحداث الساعة

آه لو كان الإسلاميون.. متطرفين أو غير متطرفين حكموا مصر علي المدي الطويل..؟

مستقبل الشعوب لا تحدده الصدف.. ولا تصنعه أحلام الغافلين.. أو مغامرات الحمقي والمتهورين. 
وقد كشف الرئيس السيسي خلال الندوة الثقافية للقوات المسلحة أنه عندما كان يلتقي بمجموعات من رجال الدين.. بعد أحداث يناير عام 2011 حرص علي أن يقول لهم: 
"لا قبل لكم بتحديات مصر.. ابعدوا حيث سيكون لكم أفكار هتبقي عبء عليكم".. 


بالفعل تصوروا..لو أن الإسلاميين سواء المتطرفين منهم أو غير المتطرفين تمكنوا من تولي السلطة علي المدي الطويل.. ماذا كان يمكن أن يحدث..؟ 
لقد خبرنا فصيلا منهم وأدركنا كيف أنهم مكذبون..ضالون.. فاقدو القيم والضمائر..! 
أما بالنسبة لمن فرضت عليهم الظروف أن يدوروا في دوائر مغلقة بحكم تكوينهم.. وتخصصاتهم وميولهم الفطرية والمكتسبة.. فهؤلاء أيضا.. يعجزون رغما عنهم عن التعامل مع هذا الكيان الكبير.. وتلك الدولة التي تحوط بها تحديات جسام داخليا وخارجيا..وبالتالي تحتاج إلي كافة عناصر القوة.. والقدرة..والعزيمة التي لا تلين.. والإرادة الصلبة.. فضلا عن الفكر المستنير المتجدد بانضباط ومسئولية بعيدا عن الانزواء داخل زوايا ضيقة..! 
وهكذا يتضح ويتأكد يوما بعد يوم أن ما ذكره الرئيس للإسلاميين أو من يسمون بذلك بمثابة طلقة صائبة نفذت إلي آذانهم.. ليحمي الله مصر وينقذ شعبها من مصير غير مأمون.. وأوضاع استثنائية كان يمكن أن تؤدي بنا إلي "المجهول"..! 
*** 
بالله عليكم.. من كان باستطاعته مواجهة الإرهاب والإرهابيين بمثل تلك الشجاعة والحرفية والإرادة الصلبة.. ومن كان يمكن أن يقدم علي إقامة مثل تلك المشروعات العملاقة التي تعلو صروحها يوما بعد يوم..؟ 
ومن كان يمكن أن يقدم علي تنفيذ برنامج اقتصادي بالغ الصعوبة.. أقول من كان يمكن أن يقدم علي كل ذلك سوي من امتلك الأدوات.. ومن عرف معني التضحيات.. ومن نذر نفسه منذ نعومة أظفاره للدفاع عن تراب الوطن أناء الليل وأطراف النهار..؟! 
*** 
ولعل تلك السطور السابقة تقودنا إلي المعركة المستمرة والمتواصلة التي تخوضها مصر مع القتلة والسفاحين.. ومنتهكي الحرمات..! 
ينبغي أن نضع في اعتبارنا جميعا أن عصابات الجريمة والعنف ليست وليدة اليوم.. أو أمس أو حتي سنوات مضت.. بل هم أناس أمضوا فترات طويلة من الزمان وهم يجهزون أنفسهم بالعتاد والمال والسلاح وحفر الأنفاق والإتجار في المخدرات..ليس ذلك فحسب.. بل إنهم يفرخون كل يوم خلايا جديدة تضم نفس النوعية من البشر الذين خلعوا كافة أردية الحياء وتوهموا زورا وبهتانا أن حزاما ناسفا.. أو سيارة مفخخة.. أو دانة مدفع تقودهم إلي الجنة التي هي منهم براء..بل العكس هم في النار خالدون جزاء ما ارتكبوا من آثام وشرور..! 
لذا لا تتعجلوا انتهاء المعركة ضد الإرهاب.. فالحسم النهائي ليس سهلا لكن في نفس الوقت القوات المسلحة وأجهزة الشرطة.. تقف للمارقين والشاردين بالمرصاد.. تحبط مخططاتهم.. تفسد عليهم مؤامرتهم الرديئة.. تواجههم.. وهم في غفلة أحيانا.. وفي تبجح وهوس أحيانا أخري.. 
يعني باختصار شديد لن نتهاون ولن نتراجع إلي أن يأتي اليوم سواء أكان قريبا أو بعيدا..الذي نقتلع فيه جذور الإرهاب اقتطاعا جذريا وشاملا..! 
*** 
علي الجانب المقابل.. نحن نقر ونعترف بأننا نعاني من مشاكل وأزمات داخلية.. المهم ألا نغفل عنها.. والأهم أن نجد لها الحلول الواقعية.. والإجراءات التي ترضي الناس جميعا.. باعتبار أن الشعب هو الهدف.. وهو الباقي عبر كافة القرون والأزمان..! 
ولقد طفت علي السطح أو بالأحري تطفو دوما حكاية السكك الحديدية التي تسبب لنا نزيف القلوب والأجساد في آن واحد..! 
لقد أصبحنا ننظر إلي السكة الحديد علي أنها وسيلة النقل غير الآمنة.. بينما الذي ينبغي أن يكون غير ذلك بسبب تلك القاطرات والقاطرات التي يقودها مهملون ومتسيبون وحشاشون ليخطفوا البسمة من الوجوه وليئدوا كل بادرة أمل أو تفاؤل. 
وهنا نرجع إلي الوراء قليلا حينما وقعت مأساة قاطرة محطة رمسيس والتي دفعت- وقتئذ- بالدكتور هشام عرفات وزير النقل لتقديم استقالته في نفس اليوم..! 
لقد خرجت أصوات أصحابها يشيدون بموقف الوزير وشجاعته.. وآخرون يتساءلون في دهشة :ومال الوزير.. بعمال مستهترين.. مهملين.. حشاشين..؟! 
الإجابة تأتي من واقعة مماثلة في تونس.. حيث لقي 11 طفلا رضيعا حتفهم داخل الحضانات.! 
هاجت الدنيا.. وأشهرت أسلحة الهجوم ضد الحكومة.. وعلي الفور بادر وزير الصحة بتقديم استقالته.. فهل هذا الوزير مسئول عن إهمال ممرضة.. أو لا مبالاة طبيب.. أو سوء إدارة مستشفي..؟! 
الرئيس التونسي نفسه أجاب عن السؤال: 
لقد أرسي الوزير المستقيل مفهوم الدولة.. وما فعله.. إنما في نطاق مسئوليته العامة..داخل المنظومة السياسية المتكاملة. 
ومع كل هذه الحقائق..وتلك المحاذير..والاحتمالات فلنتفق بيننا وبين أنفسنا من الآن علي منح الفريق كامل الوزير مهلة عامين نحاسبه بعدهما ولنبعده نظرا لكفاءته..وقدرته عما سبق أن كررناه مع غيره.. وإن كنا ندعو الله سبحانه وتعالي أن يجنبنا الشرور والمكاره.. 
إنه نعم المولي ونعم النصير.. 
*** 
وبمناسبة الوزراء هنا وهناك.. فإني أرجو د.هالة زايد وزيرة الصحة رجاء خاصا.. أن تشاهد"الفيديو" الذي تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي والذي يتحدث فيه.. جمال شعبان جراح القلب..! 
إنه حديث علمي وديني.. وإنساني.. وأخلاقي لابد أن يشد الانتباه.. ولابد أن يتوقف المرء أمامه طويلا..! 
سيادة الوزيرة.. لا أعتقد أن سبع أو عشر دقائق تستغرقها مشاهدة هذا الفيديو يمكن أن تكون سببا في ضياع وقتك.. بالعكس ربما تحمل بين طياتها فوائد كثيرة..! 
لقد خلق الله سبحانه وتعالي.. العلم.. والتعلم.. ولم يضع قيودا علي من هو أدني لكي يتميز علي من أعلي منه.. وبحق كم من تلاميذ تفوقوا علي أساتذتهم..هذا.. لو كانوا بالفعل أساتذتهم..! 
*** 
ودعونا نستمر في مناقشة قضايا الداخل لاسيما وأنها هذا الأسبوع تتعلق بقطاعات عريضة من الجماهير..! 
ولنأخذ أصحاب المعاشات مثلا: 
لقد حصل هؤلاء الغلابة علي حكم قضائي من شأنه التخفيف من معاناتهم التي بلغت أقصي مداها. 
أما وأن تـأتي الحكومة لتعطل تنفيذ الحكم الذي هو صادر لصالح الغلابة.. فلا أعتقد أن ذلك يصح.. أو يليق..! 
ملحوظة: 
هذه القضايا المتبادلة بين الحكومة وأصحاب المعاشات.. لا تمسني من قريب أو من بعيد.. فلا أنا من المستفيدين بإضافة الـ80% من آخر خمس علاوات.. ولا غيرها..! 
لذا.. لزم التنويه. 
*** 
أما القضية الثانية.. فإنها تمسني ليس بصفة شخصية.. ولكن بصفة جماعية باعتبارها تتعلق بالمهنة التي أعتز بها وأمارسها منذ نحو نصف قرن من الزمان.. وأعني بها"الصحافة"..! 
غدا.. تجري الانتخابات لاختيار نقيب جديد وستة أعضاء لمجلس الإدارة..! 
والمفروض أن يكتمل النصاب القانوني هذه المرة بعد تأجيلها منذ 15 يوما..! 
وفي جميع الأحوال.. فإن الصحفيين.. حريصون علي التغيير.. يعني أنهم لا يريدون وجوها قديمة..ولا مرشحين يقدمون برامج معادة ومكررة.. أو آخرين كل همهم.. أن يتخذوا من المنصب.. وسيلة لتحقيق ميزات شخصية من تحت ستار المهنة العظيمة. 
من هنا.. إذا جرت الانتخابات.. فأتوقع أن النتيجة ستكون صادمة بالنسبة لكثيرين فمن يتصور أنه سيجمع أكبر قدر من الأصوات قد يفاجأ بأن من أعطوه من طرف اللسان حلاوة.. هم أول من انفضوا عنه عند وقوفهم أمام صندوق الاقتراع..! 
نفس الحال بالنسبة.. لمن بعثروا الوعود شمالا ويمينا.. سوف يجدون من يقول لهم.. نريد أن نعيش علي أرض الواقع.. وقد سئمنا.. وشبعنا من الكلام الفضفاض.. و"مسح الجوخ" لفترة قصيرة من الزمان.. ثم سرعان ما ينفض المولد بعد أن يعود الحال إلي ما هو عليه..! 
لذا.. أنبه الذين لن يصادفهم الحظ ألا يحزنوا.. وألا يغضبوا.. وألا يعقدوا العزم علي الانتقام..! 
إنها انتخابات.. فيها الخاسر والرابح.. وإنها الكلمة الصادقة والتي يفترض فيمن يكتبونها أن يكونوا مخلصين مع أنفسهم أولا وأخيرا..! 
*** 
والآن دعونا نعبر الحدود إلي بلد عربي شقيق.. إلي الجزائر التي قدم شعبها للعالم نموذجا للتحضر.. والمسئولية والحرص علي ألا يلقي أبناؤه بأنفسهم في آتون النيران..! 
لقد اعترضوا.. وتظاهروا.. ولكن دون أن يضروا بالممتلكات الخاصة أو العامة.. ودون أن يعطلوا المرور في الشوارع.. أو العمل في دواوين الحكومة..! 
الأهم.. والأهم.. أنهم رفضوا منذ البداية تدخل أي أطراف خارجية في شئونهم..! 
لقد بعثوا برسائل واضحة للعالم.. وأولهم فرنسا التي يرتبطون بها ارتباطا وثيقا.. يحذرون فيها.. من الاقتراب.. فكان لهم ما أرادوه بالعقل والمنطق..والتجرد عن الهوي..! 
الجزائريون الآن.. يعدون أنفسهم.. ويعدون جيرانهم وجيران جيرانهم بقرب ميلاد دولة حديثة.. تتوفر تحت سمائها.. كافة وسائل التقدم والمدنية والتفوق..! 
مبروك عليهم مسبقا.. ونحن في الانتظار..! 
*** 
في النهاية تبقي حكاية الطائرات البوينج التي اضطرت دول كثيرة علي رأسها الصين إلي وقف تشغيلها بعد الحادث المروع الذي أودي بحياة 157 راكبا كانوا يستقلون واحدة منها من طراز 737ماكس 8..! 
قبلها بسنوات عدة.. سقطت لنا طائرة بوينج 767 فور إقلاعها من مطار نيويورك بدقائق.. بالضبط مثلما حدث مع الطائرة الإثيوبية..! 
وقتئذ.. أخذ الأمريكان.. يكابرون.. ويبررون.. ويسوقون المغالطات إلي حد اتهامهم لقائد طائرتنا أنه قصد تحطيمها عندما استمعوا إليه وهو يقول من خلال الشرائط المسجلة.. "توكلنا علي الله"! 
.. ولم تنفع حيلهم الساذجة.. حيث أصرت مصر علي أن العيب يكمن في تصميم الطائرة في حد ذاته.. مما اضطرهم إلي الصمت التام..! 
ولكن منذ ذلك التاريخ..و"البوينج" فقدت سمعتها التي كانت تدوي في السماء.. حتي وقعت الحادثة الأخيرة.. لتكمل علي البقية الباقية من تلك السمعة الضائعة..! 
*** 
أخيرا.. هذا هو مسك الختام: 
لقد اخترت لك تلك الأبيات من نظم الشاعرة الكويتية سعاد الصباح: 
يقولون إن الكتابة إثم عظيم 
فلا تكتبي 
وأن الصلاة إمام الحروف 
فلا تقربي 
وإن وراء القصائد سم 
وإياك أن تشربي 
وهاأنذا.. قد شربت كثيرا 
فلم أتسمم بحبر الدواة علي مكتبي 
*** 
..و..وشكرا