هيرمس
شايل جيل

عيون الشعب

 صناعة السعادة 

 

قد تكون السعادة .. الشئ الوحيد .. الذى لا يتم صناعتها  داخل المصانع .. إنما هى ابعد من ذلك .. فالسعادة ليس لها سوى القلب والعقل .. ومحورها الانسان .. وسر عظمتها ..  ارتباطها بالانسان .. ولان كل انسان مختلف عن الاخر .. اصبحت السعادة نسبية .. ارتبطت بالخير وايضا الشر .. وامامنا نماذج عديدة من التاريخ .. ولعل محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. هو الوحيد .. الذى اجمع عليه الناس .. بانه اسعد مخلوق .. ولا يوجد كتاب صدر فى كل دول العالم .. يتحدث عن الخالدين .. دون أن يتقدمهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. يقول مايكل هارت .. فى كتابه : المائة .. لاعظم الناس .. اثرا فى التاريخ .. اخترت محمدا فى اول القائمة .. لانه بعد ١٣ قرنا من وفاته .. فان اثره على سعادة الناس .. ما يزال قويا .. ومتجددا .. لم يعرف العالم كله رجلا بعظمته .. وهدايته للناس .. والاكثر من ذلك ايمان الجميع به .. وكيف كان يجد سعادته .. فى اسعاد الاخرين .. وفى استقامتهم .. وفى العفو عن كل من اساء اليه .. اقول .. ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. اخترق عقولنا .. بالمنطق والصدق .. ولان سر السعادة  .. يكمن فى العقل والقلب .. فهما اقصر الطرق للسعادة .. فالسعادة .. لا تنحصر فى مكان او زمان .. واسعد الناس .. من يستخدم عقله .. وامامى نماذج مختلفة لمن وجدوا سعادتهم .. نعم وجدوها .. مثل اينشتاين .. العالم الالماني صاحب نظرية النسبية .. مدرس الرياضيات والطبيعة .. بإحدى المدارس (مدرسة الألسن بزيورخ) .. الذى احدث انقلابا فى العلم .. حاصل على الدكتوراه .. وهو الذى جرده "هتلر" ..  من كل مناصبه العلمية .. لمجرد انه كان من اليهود .. وهو الذى اطلق عليه لقب "زعيم جبابرة العقول"  .. كان زاهدا فى الشهرة .. رفض ان يقيم باكبر جناح فى احدى السفن .. تكريما له .. خلال احدى رحلاته .. واصر على الإقامة فى غرفته بالسفينة .. قائلا : لا يوجد اى مبرر للمعاملات الاستثنائية الخاصة .. منحته المانيا .. اعلى الأوسمة .. كما اهدته منزلا ويختا .. تعبيرا عن فخر امته به .. وكان دائما يردد .. ان مفهوم نظرية النسبية المعقدة .. فى غاية البساطة .. انك اذا جلست الى فتاة جميلة .. لمدة ساعة .. يخيل اليك ان الساعة مرت كدقيقة واذا جلست على فحم مشتعل ..  يخيل اليك ان الدقيقة مرت .. كساعة .. وقد كان اينشتاين .. فى غاية السعادة ..  ويرى .. انه سعيدا .. لانه لا يحتاج شيئا من احد .. يصنع سعادته بيده .. مثل عزفه للكمان .. او من خلال عمله .. ونموذج اخر .. ماركونى .. مخترع اللاسلكي .. وجد سعادته .. فى ان يتحدث الناس .. لبعضهم عن بعد .. وان يستمع البعض الى الموسيقى .. وهو مستلق على المقعد فى بيته .. ووليم شكسبير .. قام بتأليف (٣٤) مسرحية .. وكتب (١٥٤) قصيدة .. نال من الشهرة .. ما لم ينله اى اديب اخر .. ولكنه لم يكمل دراسته .. بعد الابتدائية .. ليساعد والده .. الفلاح البسيط .. وعمل كحارس للعربات والجياد .. المنتظرة امام المسرح .. ثم قادته الظروف للعمل داخل المسرح .. لم تنشر رواياته .. الا بعد وفاته بسبع سنوات .. وتباع النسخة حاليا من الطبعات الاولى .. مقابل (٢٥٠) الفا من الجنيهات .. حصل وقتها على اقل من مائة جنيه .. لم يجد سعادته .. طوال حياته .. الا عندما كان يشاهد مسرحياته .. على المسرح .. وامامى واحد من صناع السعادة .. موزارت .. اشهر العباقرة والمبدعين .. فى تاريخ الموسيقى .. نمساوى الجنسية .. الف اولى ألحانه .. وهو فى الرابعة من عمره .. قدم حفلات موسيقية وهو فى السادسة .. قام بتأليف (٦٢٦) قطعة موسيقية .. عاش فقيرا ومات فقيرا .. لكن نجح فى ان ينمى داخل نفسه .. قوة الاحساس والسمو بالروح والرقة .. والرومانسية .. التى ترجمها الى الموسيقى .. حيث وجد سعادته .. مات وعمره ٣٥ عاما .. هذه نماذج صنعت السعادة للبشرية .. ولكن هناك نموذج اخر مختلف .. وجدته فى بلدى الإسماعيلية .. خلال زيارتى الأسبوعية .. لها .. سعادة يصنعها البعض .. لاسعاد بعضهم البعض .. كيف ؟ فى الإسماعيلية .. عدة مجموعات .. من كبار السن الذين خرجوا على المعاش .. اكبر مجموعة يصل عددها الى (٦٠٠) شخصا بينما اقل مجموعة (٦٠) شخصا (طبعا من الجنسين) .. التقيت السبت الماضى بالمجموعة الأكبر عددا .. حيث يلتقون بكافيتريا كوين "Queen " .. قالت لى : منى فايز .. وكيلة وزارة القوى العاملة سابقا .. بدأنا بسبعة اشخاص فقط .. أصبحنا اليوم (٦٠٠) .. نلتقى (٣) ايام فى الاسبوع .. نجلس مع بعضنا البعض .. انتصرنا على الفراغ .. بعد المعاش .. انشغلنا ببعض .. أصبحنا اصدقاء .. نخرج لرحلات اليوم الواحد .. لم نعد نعاني من وحدة .. وابتعاد الاولاد .. وانشغالهم عنا بزوجاتهم واولادهم .. هذا اللقاء .. بمثابة تجديد للحياة .. فنحن نلتقى بعيدا عن قيود الوظيفة وفى كثير من الاحيان نحتاج إلى من يسمعنا .. ويشعر بنا .. يقول ثروت ثابت سعيد .. الذى يعتبر الأب الروحى للمجموعة .. اننا نلتقى لنتغلب على الوحدة والفراغ .. يجمعنا هدف واحد فقط هو الحب .. واقول اننا أصبحنا عائلة واحدة .. اذا غاب احد .. نسأل عنه .. ونقيم افطار جماعى .. يوم الإثنين من كل اسبوع .. كل فرد يحضر فطاره معه .. عملنا اتفاق على تخفيض (٥٠/) مع صيدليات وايضا مستشفيات .. تجمعنا روح الاسرة .. وتقول .. فاطمة حسين (٧٨ سنة) .. اننى وحيدة زوجى متوفى منذ (٢٥) سنة .. هذه المجموعة اخرجتنى من بيتى .. لقاء الاحبة .. الحوار نفسه متعة .. واخوتى الاربعة اعضاء فى المجموعة .. وتقول ساميه حسن (٧٧ سنة) .. لقاءاتنا سعادة وشفاء لنا .. فقد تركت العكاز .. بعد انضمامى للمجموعة وتحسنت حالتى الصحية .. ويقول المهندس حسن الشيخ من مؤسسى المجموعة .. اقمنا عدة رحلات للقاهرة وبورسعيد .. (اليوم الواحد) وهى إضافة لتعميق الصداقة والمحبة والألفة .. نحن نعمل من اجل سعادة المجموعة .. وزرع بسمة على وجوههم .. وتقول فوزية انها وشقيقتها سيده حسن يجدون سعادتهم بهذه اللقاءات .. وتقول سلسيل انيس مليكه .. ان هذه ايامنا .. وحياتنا .. ننتظر اليوم اللى نلتقى فيه .. ومن افراح المجموعة زواج رمضان عبد العزيز محمد (٦٢ سنة) ومرفت محمد الصغير .. ولرمضان ومرفت  (٥) اولاد لكل منهما .. وهذه ليست الزيجة الاولى .. يوجد زيجات اخرى لاعضاء المجموعة .. 
كما التقيت بمجموعة اخرى مماثلة بقيادة الكابتن محمد متولى .. احد لاعبى الكرة .. فى القناة والإسماعيلي فى عصرهما الذهبى .. يقول ان المجموعة تكونت منذ عام ٢٠١٧ على الحب والعطاء دون إنتظار مقابل غير السعادة والحب .. ونمارس رياضة المشى .. تربطنا علاقات متينة من الصداقة .. ويقول حسين سكر مسئول الرحلات ورئيس مجموعة سكر .. نحن مجموعة اجتماعية نتبادل الاحاديث .. وننظم رحلات .. منذ (٣) سنوات .. وتقول ماما نونه (٧٥ سنة) اشهر اعضاء المجموعة .. نتحدث عن ذكرياتنا الجميلة .. انا ارملة وجدت فى المجموعة بيتى الثانى .. فى جو اسرى جميل .. اجد نفسى فى هذه اللقاءات .. وتقول عفاف محمد (٦٢ سنة) .. هذه اللقاءات اعادتنا شباب من تانى .. بالحب والنقاء وايضا العطاء .. وتقول ماما زوزو .. أصبحنا اخوات لبعضنا .. ولا نتأخر عن مساعدة بعضنا .. وتقول هبه ابراهيم .. ان المجموعة عبارة عن اسرة واحدة كبيرة .. يغلفنا الإخلاص والحب والسعادة .. ويقول عوض سيد هريدى .. (استاذ التاريخ المعروف) .. ان هذه اللقاءات بمثابة حياة لنا .. كما التقيت مجموعة أخرى بنادي الشجرة .. بقيادة محمد اسماعيل .. قال ان عمر المجموعة (٣) سنوات .. نتواصل طوال الاسبوع .. وكل سبت افطار جماعى .. هدفنا سعادة الأعضاء .. وتقول ماجده سرور .. هذه المجموعة .. هى عائلتي الكبيرة .. اخوتى وأصدقائي ..  وفى وسط المجموعة تقفز الشاعرة بثينه العجرودى بشعرها الوطنى والعاطفى .. وتقول نعمه سلامه .. المجموعة متنفس لنا .. صداقة واخوة .. وعطاء لاسعاد بعضنا البعض .. ويقول رضا عطا الله محمود .. ان بعض الأعضاء .. لاول مرة .. يقومون برحلات معنا .. خارج الإسماعيلية .. ويقول عبد السلام هنداوي (ملك الرحلات) .. الرحلات للترفيه والثقافة .. ويقول محمد احمد العجوز .. نعمل فى صمت .. لخلق جو من البهجة والحب والود .. ويقول سيد عبد القادر (رئيس لجنة الحكماء) .. نساعد فى حل المشاكل..

فى النهاية اقول .. ان السعادة .. نجدها فى اسعاد الاخرين .. وفى الرضا .. وحب الخير ..  ما اجمل ان نكون سببا فى اسعاد الاخرين .