هيرمس
شايل جيل

لماذا؟

يتيم فى الخمسين

 

استشهد والدى فى حرب الاستنزاف عام 1969 وكان عمرى عاماً واحداً ومع ذلك لم أشعر يوماً اننى يتيم حيث كانت والدتى بمثابة الأب والأم، صحيح كان اعمامى السبعة خير عوض عن والدى رحمه الله وكانوا يعاملوننى أفضل من أبنائهم ولكن كانت والدتى تملك من الحب والحنان الكافى لتعويضى عن غياب الأب ورفضت الزواج وظلت ترعانى حتى بعد تخرجى من الجامعة وزواجى بل وحتى الآن وأنا فى الخمسين من عمرى.

نعم لم أشعر باليتم إلا مساء الأحد الماضى عندما فاضت روح أمى إلى بارئها وغادرت دنيانا الفانية إلى دار الخلد والبقاء بعد رحلة عطاء ووفاء امتدت لأكثر من 70 عاماً كانت خلالها نعم الأم والسند ليس لى أنا فقط وإنما لكل أبناء أعمامى بل وأبناء أخوالى وجميع العائلة من هم فى سنى أو أصغر منى وكانت تعامل الجميع بقدر واحد من الحب والحنان ولم تعرف يوما الكراهية.

أعلم جيداً أن لكل أجل كتاب وأن الموت حق ولكنه الفراق الصعب خاصة إذا كان مفاجئا ولم نعد له العدة حيث فارقتنا الغالية بعد أيام قليلة من الصراع مع العدو الندل كورونا الذى حل علينا من عامين ليخطف منا الأحباب والأصدقاء واحداً تلو الآخر.

ماتت أمى كجسد فقط ولكن ستظل روحها معى ترعانى ولن تغادرنى أبداً وسوف أتذكرها ما حييت وكيف بى أنسى أحسن الناس وأرحمهم والتى كانت تعطى بلا مقابل وتحب بلا حساب وأشهد الله أنها كانت صوامة قوامة ولم أرها أو أسمعها يوماً تذكر أحداً بالسوء أو تكن الكره والضغينة لأحد وحتى آخر نفس كانت صابرة وذاكرة وتسأل عن الجميع وتوصينى بهم خيراً وتطالبنى بالعفو والسماح حتى عمن ظلموها أو اساءوا إليها.

ماتت أمى الحاجة صفية السيد عبدالعال أو »صفصف« كما كنت أناديها أو بمعنى ادق كما كانت تحب أن أناديها وتركتنى وحيداً لاشعر باليتم لأول مرة وأنا فى الخمسين من عمرى وأشعر بالوحدة وأنا أملك الزوجة والأولاد والأصدقاء والأحباب ولكن حب الأم وحنانها شأن آخر يصعب أن نجده فى أى إنسان مهما كانت درجة قرابته أو قربه منك.

لعن الله الغربة التى حرمتنا من حنان وأحضان الأم حيث ذهبت للعمل بالقاهرة قبل 30 عاما تقريباً وكانت هى دائماً وابداً تصر على البقاء فى سوهاج حيث الأهل والأحباب وان جاءت إلينا لا تمكث إلا أياماً أو شهوراً قليلة وهذه طبيعة من عاشوا وترعرعوا فى الصعيد أو الريف عموماً تراهم يكرهون العيش فى الزحمة وخنقة المدينة.

فى النهاية أدعو المولى عز وجل ان تكون والدتى فى دار خير من دارنا ومنزلة خير من تلك التى كانت فى دنيانا الفانية ونحتسبها عند الله من الشهداء الذين سقطوا ضحايا لهذا الفيروس اللعين، وإلى اللقاء فى جنة الخلد إن شاء الله.

[email protected]