هيرمس
شايل جيل

معا للمستقبل

العدو الخفي الوعي المطلوب !!

* صحافتنا وإعلامنا كان لهما دور مشرف وفعال في تحقيق نصر أكتوبر العظيم. ذلك أنهما لم يكتفيا فحسب برصد وتسجيل مشاهد الحرب وتفاصيل المعارك وبطولات الكفاح والنجاح لجيشنا الباسل بل لعبا دوراً مؤثراً في التمويه والخداع الاستراتيجي الذي انتهجته القيادة السياسية وقتها. لتضليل العدو وأعوانه. عبر خطاب مزدوج نجح باقتدار في مخاطبة الخارج بلغة مطمئنة لا تشي بأن ثمة حرباً سيشعل المصريون أوارها ويجنون حصادها نصراً مؤزراً وهو ما انطلي علي أعتي أجهزة المخابرات العالمية وأوحي لإسرائيل بأن مصر مستكينة ليس بوسعها تغيير المعادلة القائمة وقتها بأي صورة.. وفي الوقت ذاته نجح الإعلام في مخاطبة الداخل بلغة مغايرة تماماً تبث الأمل في الغد وهو ما خلق وعياً حقيقياً في الجبهة الداخلية التي اكتملت لها مقومات العبور المجيد الذي سطر من خلاله جيشنا ملحمة عسكرية ومعجزة حربية بكل مقاييس العصر توقف أمامها خبراء الاستراتيجية والعسكرية بالفحص والدرس واستخلاص العبر. 
* لقد كان لإعلامنا وفي القلب منه صحافتنا دور فريد أسهم في صنع نصر أكتوبر عبر صناعة وعي شعبي ورأي عام ناضج نفتقده اليوم للأسف رغم خوضنا حرباً لا تقل شراسة ولا أهمية مع إرهاب خسيس هو في الأصل مجرد أفكار متطرفة مغلوطة اعتنقها في لحظة ضعف وانعدام توازن شباب مضلل من جماعة الإخوان الإرهابية ومن دار في فلكها.. ولعل ما وقع في أعقاب يناير 2011 كان كما قال الرئيس السيسي علاجاً خاطئاً لتشخيص خاطئ استغله البعض ليقدم للمصريين صورة مزيفة لولا عناية الله وانحياز الجيش للشعب الذي خرجت ملايينه للشوارع لإزاحة جماعة الإخوان عن حكم مصر لسقطت الدولة في براثن الفوضي والتفكك والضعف والانهيار. 
خداع المصريين بوعي زائف أحدث تفرقاً وانقساماً واستقطاباً.. ناهيك عن ظهور الأنانية السياسية بأبشع صورها ونزوع أطراف بعينها إلي مصالحها الخاصة.. حضرت الطائفة والجماعة والحزب والائتلاف.. وغابت في مقابلها مصلحة الوطن والدولة والأمة.. حتي ضرب الانفلات كل شيء. بدءاً بالأمن انتهاءً بالغلاء والاحتكار والتربح الذي أضر بالمجتمع كله ويدفع الجميع ثمنه غالياً حتي اليوم. 
ما لا يريد البعض أن يدركه اليوم أن عدونا الآن خفي يسعي بيننا. صنعته أفكار وتصورات مغلوطة عن الدين بخلاف ما جري بعد هزيمة 67 حتي تحقق النصر في 1973.. فعدونا كان ظاهراً وجبهته معروفة.. حاربنا علي قلب رجل واحد.. بجبهة داخلية متماسكة أشد ما يكون التماسك.. لا فرق فيها بين غني وفقير ولا مسلم ومسيحي.. الكل شركاء.. ولكل ثأره مع عدونا الظاهر الذي كنا نراه رأي العين يتحرك بغطرسة وغرور شرق القناة وفوق أرض سيناء.. أما اليوم فقد تخفي العدو وتغيرت الوسائل والأدوات وصارت المقاومة أكثر صعوبة. 
ما نعانيه اليوم هو إرهاب غادر يتخفي في سيناء. محاولاً تقويض دعائم الدولة واستقرارها تارة بالعنف والتفجير واستهداف الأبرياء.. وتارة أخري عبر بث الشائعات والأكاذيب التي تروجها كتائب الإعلام الإلكتروني الذي تستخدمه جماعة الإخوان الإرهابية وأعداء الوطن لإحداث البلبلة وعدم الاستقرار والوقيعة بين الشعب وقيادته وجيشه وشرطته. 
كنا نرجو لو أن إعلامنا وأجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية بصناعة العقل والفكر والوجدان وقبلها الأسرة. نهضت بأدوارها المرجوة لاجهاض مخططات إفشال الدولة وتفكيكها وتدميرها بأيدي بعض بنيها ممن وقعوا فريسة للشائعات.. فهل قامت تلك الأجهزة بدورها في تحصين الوعي الشعبي من الدسائس والفتن وسبل الأكاذيب وحملات التشويه المغرضة.. ألا تدرك أن الحروب تغير شكلها وتبدلت وسائلها وأساليبها حتي وصلت لحروب الجيلين الرابع والخامس التي تعتمد علي الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي لإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات. 
آن الأوان لتكاتف الجميع لبناء وعي حقيقي لدي شعبنا ولا سيما شبابه. فمثل هذا الوعي اليقظ هو وحده الطريق الأمثل لكسب المعارك وتحقيق الانتصارات خلافاً للوعي الزائف الذي يمثل انتكاسة وطريقاً للضعف والسقوط فريسة لأي شائعة أو أكذوبة أو تشويش مقصود للعقل. 
وها هو الرئيس السيسي يواصل بناء وعي المواطن ويعوض غياب الإعلام المستنير. ويشرح بصراحته المعهودة خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد كيف جري استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لخلق صورة ذهنية زائفة لتستقر في وعي المواطن لتحبطه وتهدم ثقته في نفسه وفي دولته وقيادته في محاولة استمرت 3 سنوات "2011- 2013" لتصدير صورة مفادها ان المجلس العسكري هو من قتل المتظاهرين في محمد محمود وماسبيرو وبورسعيد. 
وأستطيع أن أقول بجلاء- والكلام للرئيس السيسي- اننا لم نمس أي مصري واحد خلال تلك الفترة. وأن ما حدث من قبل كان بسبب تدخل عناصر مندسة في اتجاه وزارة الداخلية. وكان القتلي يتساقطون يومياً لمدة 6 أيام وأن من صنعها ودبرها كان يريد أن يجعل الرأي العام غير راض عن المجلس العسكري حتي يرحل.. هذا ما تم تقديمه للمصريين حينذاك.. وهذا ما لم يحدث أبداً!! 
الشيء نفسه حاولوه عندما أطلقوا شائعات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بأن الجيش هو من رتب لاقتحام مبني أمن الدولة وقتها ليظهروا أن الجيش قد خان الشرطة.. وهي كلها معلومات مغلوطة هدفها إسقاط الدولة ولم يكن هناك وقتها إدراك لمدي قوة تلك المواقع التي استخدمها أهل الشر منصة لإطلاق الأكاذيب والافتراءات لدرجة أن برامج توك شو تلقفت مطالب مجهولة المصدر لتذيعها علي الناس بحسبانها واجبة التنفيذ لصدورها عن المتظاهرين.. بل إنهم أشاعوا كل يوم حكاية وحكاية وشائعة جديدة.
ورغم كل ذلك فالرئيس لا يبدو قلقاً من ذلك كله لأن حجم الوعي الذي تشكل لدي المصريين كبير للغاية. ومن ثم فلا يخشي الرئيس علي مصر من أخطار الخارج وتحدياته ما بقينا في الداخل جبهة متماسكة ويداً واحدة قوية.. فعندما استعصي علي من يريدون بنا السوء إلحاق الأذي بمصر من الخارج عمدوا إلي الحروب النفسية والشائعات بهدف تكوين صورة ذهنية غير حقيقية تستقر في وعي المواطن.. وهو ما لن يحدث أبدًا أبدًا.. فلن تؤثر في الشعب المصري الواعي كثرة الشائعات. ولن تضعف الحروب النفسية عزيمته الصلبة. ولن تخدعه الأكاذيب. ولن يهزمه الباطل. 
ودرءاً لتلك البلبلة فإن الرئيس السيسي أمر بتشكيل لجنة لدراسة كل ما وقع من أحداث في أعوام 2011 و2012 و2013 حتي يجري وضعها بين أيدي الشعب بكل أمانة وشرف حتي يعلموا الحقائق جيداً. ومن كان يعتدي علي المصريين ويقتلهم.. وكيف تدمر الدول وتضيع البلاد..!! 
ما قاله الرئيس السيسي يضعنا في مواجهة أسئلة ملحة: فهل يصح مثلاً أن يستقي كاتب كبير معلومة غير موثقة تداولتها صفحات الفيس بوك ويبني مقالته اعتماداً عليها.. وهل يصح أن تنقل مواقع وصحف كبري أخبارا تناقلها الفيس بوك بشأن تعيين شخص ميت وزيراً للنقل.. فمتي نلتزم طواعية بمواثيق الشرف الإعلامي ونعلي قيم المهنية والمصداقية.. ومتي تنهض الجماعة الصحفية بدورها في المحاسبة المسئولة لكل من يخطئ من أعضائها. ردعًا للمتجاوزين. وحماية للمجتمع من تزييف الوعي..! 
أما آن الأوان لحشد كل الطاقات والجهود لإصلاح بلدنا. وأن تتصدي كل مؤسسة لدورها التنويري والتوعوي لاستنهاض الهمم بعزائم صادقة وأفكار خلاقة مخلصة. فالإهمال- كما قال الرئيس السيسي- لا يقل خطراً عن الإرهاب.. ومن ثم فلن يفلت من العقاب بالقانون كل من قصر أو أهمل أو أفسد. وسوف تأخذ عملية إصلاح السكة الحديد وتطويرها دورها لنري سكة حديد أخري في .2020 
الشعب المصري رغم أنه أذكي من أن يخدعه أحد بما يملكه من نور البصيرة والوعي الفطري اللذين يمكنانه من رؤية الخطر المحدق ببلدنا.. لكنه في حاجة لمن يذكره باستمرار بحقائق ما يدور حوله ولمن يأخذ بيده ويتواصل معه وينظم جهوده وأفكاره وتوجهاته بمعزل عن دعاوي التضليل والإفك التي تروجها قنوات الإخوان ومواقع التراشق الاجتماعي حتي أن سؤال اللحظة لم يعد: هل نحن في خطر.. بل أصبح: كيف نواجه مثل هذا الخطر ونقضي عليه بإعادة صناعة الوعي وتبصير الشعب بالحقائق والقضاء علي معاناته ومشاكله اليومية. ومجابهة أي تقصير أو إهمال بكل قوة. 
ما أكثر حاجتنا اليوم لالتزام نهج عقلاني في تلقي أي معلومات أو أنباء والتدقيق فيها والتثبت منها تطبيقًا لمبدأ قرآني راسخ لقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة...". فالشيطان يكمن في الشائعات التي لا تخدم سوي الأعداء وتشيع حالة من الإحباط والبلبلة والضبابية التي تشتت الأذهان وتضعف الروح المعنوية. 
تشكيل الرأي العام من أهم مكونات الأمن القومي. ومن ثم فلا مفر من إصلاح الخطاب الإعلامي كما الخطاب الديني تماماً. وهو ما لن يتحقق باستجداء ضمائر أهل المهنة والقائمين عليها درءاً لأخطار ندفع ثمنها غالياً جراء شيوع العشوائية.. فالتيارات المتطرفة ما أراقت الدماء وشوهت صورة الإسلام إلا نتيجة لغياب فكر أو خطاب ديني دينامي قادر علي التصدي لأفكار التطرف والغلو والمتاجرة بالدين.. أما تيارات الفوضي الإعلامية وذوي المصالح فقد فعلت بالإعلام ما هو أسوأ خلال السنوات السابقة التي أفسدت فيها أذواق المشاهدين بأعمال فنية سطحية هابطة تارة.. وبرامج الإثارة والتشويه وتصفية الحسابات وخدمة المصالح الفئوية لأصحاب المال والفضائيات ووسائل الإعلام التي أسهمت في تعكير المزاج العام وتكريس حالة الاستقطاب التي بلغت ذروتها غداة أحداث 25 يناير و30 يونيو. الأمر الذي دفع الرئيس السيسي لتوجيه كلامه وقتها للجماعة الإعلامية قائلاً: "سوف أشكوكم للشعب". 
والسؤال: متي يتم إصلاح الإعلام وإصدار تشريعات قادرة علي وقف هذه الفوضي.. ومتي تتكاتف الجماعة الإعلامية لحماية نفسها من تجاوزات بعض أبنائها قبل أن يبكي الجميع علي دم الحرية المسفوك. 
ما أحوجنا إلي ثورة في الفكر والمحتوي والإرادة ونحن نستقبل غدا عرسا ديمقراطيا بانتخاب نقيب جديد للصحفيين ومعه 6 من أعضاء مجلس النقابة. لتعود لنا ريادة كانت أصيلة قبل أن تغزونا رياح الجفاف الروحي والفكري والاستخدام غير الرشيد للحرية الذي هو عدوها الأول كما التطرف في الرأي والشطط والسفه في استخدام الكلمة والصورة لتصبح معول نهش للخصوصية وإهدار لحرمة الحياة الخاصة. 
إصلاح الإعلام وتنميته والاستثمار فيه وضخ دماء جديدة قادرة علي إنهاضه بات أولوية مقدمة علي ما سواها إذا أردنا شعبا واعيا داعما لدولته.. ولا يصح التعلل هنا بمبدأ الربح وعائد التكلفة عند التعامل مع الإعلام الذي هو في الأصل رسالة تنوير غير هادفة للربح تسعي لتثقيف العقل وتحريره من أوهام الجهل والتعتيم ووسيلة ديمقراطية يراقب بها الشعب حكومته وممثليه في البرلمان.. فهل آن الأوان لاضطلاع الجماعة الصحفية ومجالس الإعلام والصحافة بدورها في إصلاح تلك المنظومة..؟!