هيرمس
شايل جيل

معاً للمستقبل

مصر تتغير .. تفاءلوا بالبرلمان الجديد ..!!

 

البرلمان الجديد في موقف لا يحسد عليه .. فالتحديات كبيرة والملفات شائكة .. وسقف طموحات الناس أعلى من قدرة أي حكومة .

في انتظار هذا البرلمان مهمات شاقة ودستور طويل يحتاج إلى استكمال ترجمته إلى قوانين وتشريعات تتسق معه وتعبر عن طموحات وتطلعات الشعب .. وهي مهمة بالقطع صعبة ولكن ليست مستحيلة.

مهمة البرلمان الجديد أن يستعيد ثقة الناس وأن يكون على مستوى جهد ورؤية الرئيس وتطلعاته لوطن يتمنى أن يشار إليه بالبنان كمقياس لمستوى التعليم المتقدم وجودته وتطور العنصر البشري وقدرته على تحقيق قيمة مضافة تضاهي ما حققته سنغافورة أو حتى كوريا الجنوبية .

أقول لمن تحدث عن ضعف الإقبال على انتخابات مجلس النواب الجديد .. فالإقبال قوة أو ضعفً لا يصح اجتزاؤه من سياقه ولا اعتباره مؤشراً على الرضا أو السخط على البرلمان الجديد أو غيره .. فالنسب العالمية تتراوح بين 20 و40 % وقد تخطت معظم محافظاتنا الحدود الدنيا العالمية .. وباستثناء القاهرة فإن النسبة تبدو مقبولة قياساً بالظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وعلى رأسها جائحة كورونا .

وفي كل الأحوال فإن البرلمان صار واقعً صنعته إرادة الشعب .. وقد صار بالفعل سلطة تشريعية تكتمل بها مؤسسات الدولة وتسبغ المصداقية على دولة 30 يونيو أمام العالم الذي لا يقتنع إلا بالمؤسسات السياسية الناشئة عن الانتخابات والمعبرة عن خيارات الشعوب .. سلطة تشريعية تراقب الحكومة وتحاسبها طبقاً للدستور الذي منحها صلاحيات غير مسبوقة .

وأياً ما تكن ملاحظات أو تحفظات البعض عن ملامح وبيئة تشكيل هذا البرلمان فإن أنظار الملايين تتطلع إلى جلسته الإجرائية الأولى خلال أيام ليروا أداء نوابهم الذين اختاروهم بمحض إرادتهم ليمثلوهم تحت قبة البرلمان .. تطلع الملايين لاختيار رئيس مجلس النواب ووكيليه وكذلك رؤساء اللجان .. ولا تزال في حلوقهم مرارة من أداء البرلمانات السابقة وخصوصاً برلمان 2012 ذى الأغلبية الإخوانية خصوصاً في جلسة أداء اليمين الدستورية وما صاحبها من مهازل  ومهاترات وسقطات خرج بها البعض عن روح الدستور ونصوصه حين جرى العبث بصيغة القسم الدستوري الملزمة والاستهانة بلائحة المجلس في سابقة أولى لم تحدث من قبل فأضاف من عنده ألفاظ عليها ، فمنهم من أضاف عبارة " وبما لا يخالف شرع الله " أو عبارة " حتى إكمال مطالب الثورة " بل أن بعضهم بلغت المزايدة على الثورة مداها فطالب بالقصاص من قتلة الشهداء ومحاكمتهم في ميدان التحرير .. متجاهلين سلطة القضاء التي بيدها تطبيق القانون .. ولم يتورع هؤلاء النواب ذو الميول الإخوانية في إهدار مبادئ الدستور و إهانة عضوية البرلمان والتدخل في إحكام القضاء وإهدار قدسيته .

كانت جلسة إجراءات برلمان الإخوان مهزلة مأساوية ، إذ لم يكن هناك سبب معقول لاختلاق خلاف وهمي فرض نفسه على تلك الجلسة اللهم إلا استعراض القوة ومغازلة الشارع والشو الإعلامي الذي ساعد عليه إذاعة الجلسة تلفزيونياً ، وهو ما أساء لصورة هذا  المجلس وكشف عن حقيقة أعضائه ونواياهم تجاه الوطن .. الأمر الذي حرك أسئلة عديدة وقتها لدى المصريين فإذا كانت البداية خلافاً على إجراءات شكلية لا جدال فيها فكيف سيتوافقون على الحلول والبدائل في القضايا الخلافية والأزمات المزمنة التي تعرقل التنمية ونهوض البلاد في ذلك الوقت .. والحمد لله أن المهزلة لم تستمر طويلاً إذ سرعان ما حل المجلس بحكم الدستورية العليا الذي أسدل الستار على أسوأ برلمان عرفته مصر في تاريخها الحديث .. كما نجح الشعب المصري في وضع نهاية لحكم الإخوان في ثورة 30 يونيو 2013.

وما نأمله أن يقرأ النواب الجدد دروس الماضي وتاريخ البرلمانات السابقة  وكيف أن ما بقي منها في أذهان المواطنين هو  برلمانيين عظام اخلصوا الولاء لهذا الوطن فخلد التاريخ ذكرهم .. نرجو أن يحسن النواب الجدد تقديم أنفسهم في الداخل والخارج  وأن يبعثوا برسائل تفاؤل وطمأنة على المستقبل .. فعليهم تنعقد الآمال في تحقيق حياة كريمة وعدالة اجتماعية وديمقراطية ونهضة منشودة طالما تمناها وعمل على تحقيقها الرئيس السيسي .

نرجو أن يبادر النواب ومعظمهم يدخل لأول مرة بتقديم حسن النوايا ، وأن يتنازلوا طواعية عن الحصانة البرلمانية التي تعفيهم من المساءلة ، وإذا لم يكن بد فلا أقل من جعلها مقصورة فقط تحت سقف المجلس مادامت الغاية هي خدمة هذا الشعب تشريعاً ورقابةً ونقدً تحت القبة نأياً بهم عن شبهات توظيف الحصانة في أغراض مشبوهة أو سبل غير مشروعة خارج المجلس مثلما فعل أذناب أنظمة سابقة ليمرروا من خلالها مخالفات قانونية أو يثروا ثراء فاحش نظير غض الطرف عن مساءلة الحكومة متنازلين عن رسالتهم في مراقبتها ومحاسبتها ، وسن التشريعات التي تصب في صالح السواد الأعظم لهذا الشعب والتي تحقق العدالة والمساواة والحرية .. وكيف إذا فسد الرقيب أن تستقيم حصانته ؟! ونحمد الله أن برلمان ما بعد ثورة 30 يونيو قد اختفى منه تماماً  هذا الاعوجاج .

لا تزال تحدونا آمال كبيرة أن يغير النواب الجدد ما ترسخ من صورة سلبية لبعض البرلمانات السابقة ، أن يقدموا القدوة من أنفسهم في محاربة الفساد وأن يتجنبوا الشبهات وأن يتجردوا من الحصانة بإرادتهم ليقدموا دليلاً لا يقبل الشك على أنهم ما تصدوا للعمل العام لعضوية البرلمان إلا خدمة لهذا الشعب الذي يستحق كل عناية لتحسين أحواله .

يحدونا الأمل أن يكون النواب الجدد للبرلمان على قدر التحديات الداخلية والخارجية لدولة تحوطها المخاطر من كل جانب , وتحتاج لعمل مضن من الجميع , أن يكونوا هم قدوة الشعب في إنكار الذات ونبذ الجدل والصراع ، والإصرار على الحق مهما كان مراً ، وأن يراقبوا حتى أنفسهم فلا تزل أقدامهم إلى مواطن الحرام , والأمل كبير أن يبادر بعضهم من القادرين بالتنازل عن جزء مما يحصلون عليه من بدلات الجلسات والمكافآت لصالح صندوق تحيا مصر .

البرلمان الجديد ينتظر منه المواطن الكثير والكثير ونرجو إلا ينشغل – كسابقه-  بفرعيات الأمور وسفا سفها ولا بالمصالح الفئوية والشخصية وعليه منذ اللحظة الأولى وهذا واجب الكتل المتماسكة بداخله ، حزبيه أو مستقلة ،أن يضع أجندة عمل للبرلمان تشريعاً ورقابة وبدائل للحلول بأسلوب علمي كما يحدث في البرلمانات الديمقراطية المتقدمة .. أن يحدد واجبات الوقت وأن يسخر لجانه وإمكانياته لخدمة تلك الأهداف وفق جدول زمني لا يحيد عنه .. وأن تكون اهتمامات المواطن البسيط على رأس أولوياته .. ونرى طلبات إحاطة وأسئلة واستجوابات .

المرحلة الحالية لا تحتمل طرف الجدل وموبقاته , فالدولة تواجه إرهاباً شرسا وضغوطاً خارجية ترقي لدرجة التآمر .. وكفى ما دفعته مصر ولا تزال من فواتير باهظة جراء المسارات الخاطئة التي أفضت إلى نهايات سيئة .

الشعب يريد تحويل دستوره وترجمته لإجراءات على الأرض , يريد أن يرى تحسناً في التعليم والصحة .. الشعب تغالبه أشواق إلى إصلاح تشريعي يقتلع الفساد من جذوره .. يريد للمشهد السياسي أن يرقى لمستوى طموحه .. أن تنضبط موازينه وتعتدل كفتاه وتنسجم مكوناته حتى تتوحد جبهته الداخلية .. فلا مكان بعد البرلمان المنتخب لأي كيانات موازية أو تشكيل معارضة خارج البرلمان وهذا دور نوابه في ترجمة أمال الشارع وطموحات الرئيس في بناء دولة قوية ذات مؤسسات ملتحمة واستشعار آلامه .

نرجو أن ينهض النواب بأعباء المرحلة وهي خطيرة تتطلب الإلمام بالسياسة والقانون وفهم الأولويات والتصدي لها . الشعب يريد اقتصادا متعافياً واستثمارات متدفقة وفرص عمل وانضباط السوق وإنهاء الاحتكار .. وهذا واجب البرلمان .

دعونا نتفاءل بالبرلمان الجديد وأن نؤجل الحكم عليه حتى نرى أداءه رأي العين .. يكفي أنه برلمان لفظ المتاجرين بالدين والداعمين للإرهاب وعلينا أن نستفيد من أخطائنا الانتخابية خاصة ما يتعلق بالمال السياسي علينا أن نزيد وعي الناس وقدرتهم على الاختيار في الانتخابات المقبلة ولتكن البداية بالمحليات .. وكفى أن أصبح لدينا برلمان منتخب بلا تزوير ,  برلمان يعبر عن إرادة الناس بلا وصاية .

لاشك أن هناك تغييراً حقيقياً يجري على أرض مصر على كافة أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .. وإن كان لا يزال في حاجة إلى مزيد من الجهد لمضاعفة الإنتاجية خاصة في الزراعة والصناعة والخدمات التكنولوجيا . وتحقيق جودة أعلى لحياة البشر .

وأحسب أن مصر تتغير فعلاً إلى الأفضل لتحقيق غايتنا المنشودة .

مصر تتطور وتفاءلوا بالبرلمان الجديد إلى أن يثبت العكس .