هيرمس
شايل جيل

بالحسنى

حماية الوعي

في لقاء رمضاني علي الإفطار شارك فيه مسلمون ومسيحيون عند فضيلة الشيخ علاء أبوالعزايم رئيس الاتحاد العالمي للتصوف. وشارك فيه مسلمون ومسيحيون. وكان السؤال الذي حاول الإجابة عنه الحاضرون: ماذا يمكن أن نصنع كمواطنين من أجل مستقبل بلادنا في وقت تتداعي الدول من حولنا وتنهار. وفي جو تآمري لا يخفي علي أحد. ولما جاء دوري: قلت: نحن لا ينقصنا الوعي بالخطر أو الوعي بضرورة الحفاظ علي بلادنا ولكن المطلوب منا - من وجهة نظري - هو حماية هذا الوعي وتبدأ هذه الحماية بالشعور بالخطر الذي يحدق بنا ويحدث حولنا. وأن العدو مازال يكيد لنا ويتحين الفرص وأن نحمي وعينا بمسئوليتنا تجاه بلادنا ووعينا بعدونا الحقيقي الذي يرتب لنا ووعينا بأنه لن يحمي مصر إلا المصريون وحدهم. 

وقلت وأنا أشرح المصطلح الذي اخترته أو نحته عنوانا لكلامي: إنني إذا عدت للماضي فأذكر أنه عندما بدأت الحرب السوفييتية - الأمريكية علي أرض أفغانستان وكنت وقتها في نهاية المرحلة الثانوية انتشر في ذلك الوقت الكلام عن أبناء الكتب السماوية وأن الأمريكان أهل كتاب ونحن أهل كتاب والسوفييت ملحدون وبالتالي فالأولي بنا أن نقف مع أهل الكتاب الأمريكان وكذلك يجوز أن نقبل عونهم وتعاونهم في تحرير أفغانستان وانتشر هذا الكلام في صحفنا المصرية والصحف والمجلات العربية والإذاعات وتكرر بأشكال مختلفة وكلما تحدث أحدهم في ذلك استشهد بالآيات الأولي من سورة الروم وهي: "الم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" والفرح هنا يفسر علي أنه فرح المسلمين بنصر إخوانهم أهل الكتاب أو فرح سيدنا أبوبكر الذي راهن علي هذا النصر. وبالتالي تباري الشباب في التطوع والجهاد ضد السوفييت في أفغانستان وقدم رجال الأعمال والدول الأموال والأسلحة وهكذا. 

بعد أن سقط الاتحاد السوفييتي سرت بين شبابنا أحاديث فتنة هي أحاديث قيلت في زمن الحرب ولا تخص إلا ظروف الحرب والعداء بين المسلمين وغيرهم لكنه بقدرة قادر ظهرت هذه الأحاديث وقدمت علي أنها نظام العلاقة التي يجب أن تكون بين المسلمين والمسيحيين وكان أمرا مزعجا ومدهشا وانتشر بشكل غريب وتراجعت الآيات الكثيرة التي تحض علي التعاون والتعايش والبر بإخواننا في الوطن وكذلك وصايا الرسول بل تراجعت أحداث التاريخ التي تؤكد العلاقة الطيبة وصارت في الهامش. 

وعندما حدث ضرب العراق الأول والثاني كان الكلام عن حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية يتصدر نشرات الأخبار وتصريحات الأمريكان والأوروبيين وغيرهم حتي تتم الجريمة فتعود الأمور إلي ما كانت عليه. إذن إن هناك حالة عبث بوعي الشعوب تتم لتحرير أمر ما أو صناعة فتنة بحيث يصبح الهامشي في بؤرة الشعور والمركزي في هامش الشعور ويتحول جوهر الأشياء وأصلها إلي فرعيات مهملة وتتضخم الفرعيات حتي تصبح جوهرا وأصلا وتجتزأ الأحداث من سياقها والنصوص حتي تقدم معني مخالفا تماما لهدفها ومقصودها. 

من هنا كانت دعوتي لحماية الوعي حتي لا يعيث به أصحاب مراكز الأبحاث التي لا هم لها إلا دراستنا لحظة بلحظة وإعداد الخطط والأفكار للسيطرة علينا أو توجيهنا حسب ما يريدون من خلال أفكار صحيحة لا ننكرها في ثقافتنا ولكنهم يستخدمون في غير هدفها ولا زمانها ولا مكانها ليحققوا ما يشاءون من الأهداف. 

في بداية مظاهرات ثورة 1919 ادعي الإنجليز أن المسيحيين يؤيدونهم في بقائهم بمصر ولما أشيع ذلك نفي شيوخ الأزهر ذلك وذهبوا بأنفسهم إلي الكنيسة ليعلنوا مع إخوانهم القساوسة كذب هذه الفرية فلما فشلت هذه الخطة من خلال وعي المصريين ادعي الإنجليز أنهم في مصر لحماية الأقليات فذهب القساوسة إلي الجامع الأزهر والمساجد في الأقاليم يعلنون أنهم والمسلمون سواء وأنهم فداء للمسلمين ففشلت الخطة الثانية بوعي المصريين. 

ومن هنا فإنني أعتقد أن حماية الوعي هو مهمتنا لحماية أوطاننا لأن الحروب الآن حروب فكرية كما هو معلوم أكثر ما هي بالأسلحة.