هيرمس
شايل جيل

شهادة

التنمر .. والأمن القومى

 

اليوم هو ثانى أيام عيد الأضحى المبارك ، العيد الذى جعله الله  ذكرى لأروع تضحية فى تاريخ البشرية ، وخلد فيه معانى الفداء والوفاء والطاعة ، أدعو الله عز وجل أن يكون مناسبة طيبة تجمع شمل الأمة على كلمة واحدة كما جمع شتاتها على قبلة واحدة وكتاب واحد وصعيد واحد ومناسك واحدة ، اللهم اجعل بلادنا واحة للأمن والأمان والسلام ، واحفظ علينا أرضنا وديارنا ومياهنا وأهلنا ياأرحم الراحمين .
Xxx
لم يعد التنمر مقصورا على مجموعة مراهقين يتحرشون بفتاة  ، يخدشون حياءها بفاحش القول والفعل ، ولا على مجموعة طلاب يسخرون من زميل لهم يعانى من إعاقة معينة ، ولا على شباب جاهل يحتقرون مواطنا أو مهاجرا من دولة شقيقة ببذاءة وسخافة بسبب لونه ، الظاهرة اتسعت للأسف الشديد وأخذت أبعادا مخيفة تستدعى التوقف أمامها والوعى بخطورتها واتخاذ مايلزم لعلاجها ، قبل أن تستفحل وتصبح أمرا معتادا فى مجتمع يقوم على مبدأ المواطنة ، الذى يساوى بين جميع أبنائه فى الحقوق والواجبات على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأجناسهم وأعراقهم وألوانهم وطبقاتهم .
هناك الآن سيدات يتنمرن على سيدات  لمجرد اختلافهن فى الهيئة ، ورجال يتنمرون على رجال لمجرد أنهم من طبقة اجتماعية أدنى ، بل هناك مؤسسات صارت تضع اشتراطات غريبة لابد أن تنطبق على من يدخلها ويتعامل معها ، مثل مستوى الدخل وطبيعة المهنة والعمل والملبس ، وهى ـ كما ترى ـ أشياء تسعى لتكريس الطبقية والطائفية فى المجتمع ، وإضفاء مشروعية على الانقسام المجتمعى يأباها القانون والدستور ، وعلى هذا النحو يصبح مصطلح " التنمر " مسمى ناعما أو مائعا  ، غير معبر عن حقيقة الظاهرة الخطيرة التى نحن بصددها ، والتى تنطوى على ماهو أعمق وأخطر من التنمر ، ويجب أن تسمى باسمها الحقيقى مهما كان صادما ، مثل العنصرية أوالطائفية أوالطبقية . 
فى أحد البرامج المذاعة على قناة " الحدث " الفضائية استضافت الإعلامية نيفين منصور الأستاذ محمد عثمان رئيس لجنة السياحة الثقافية وسألته عن مدى قانونية قيام إحدى السيدات بمنع سيدة أخرى من نزول حمام السباحة فى الساحل الشمالى لمجرد أنها ترتدى البوركينى الذى يغطى جسمها بالكامل ولا تلتزم بالمايوه الذى يتكون من قطعتين فقط ، مدعية أن هذا البوركينى شكله قبيح وغير مناسب وسيء للغاية وممنوع ، فأكد الرجل أن إجراءات وزارة السياحة لا تمنع البوركينى طالما أنه ملتزم بالموصفات الصحية وغير ناقل للبكتيريا ، وهو موجود ومعترف به فى كل المنشآت السياحية والفندقية ، والسياحة بطبيعتها مع الحرية ، وهذا الجدل الزاعق حول ملبس معين أو شكل معين يسبب ضررا بالغا  لسمعة السياحة فى مصر عند من يراقبون أداءنا ، ويضر بفكرة الدولة المدنية الحديثة التى تعطى الحرية لكل إنسان فى أن يلبس مايشاء ويتنقل كيف يشاء .
لكن الإعلامية وضيفها كشفا فى البرنامج ذاته عماهو أسوأ من قضية البوركينى ، هى قالت إنها منعت من دخول " ريستوران " مع زوجها فى الإسكندرية لأنها محجبة ، وهو قال إن صديقا له ذهب ليشترى وحدة فى أحد الأماكن الغالية جدا بالساحل الشمالى لكن طلبه قوبل بالرفض فقط لأن زوجته ترتدى زيا معينا ، ثم  ذكرا عدة وقائع عن منع المحجبات من نزول المياه فى بعض "الكومباوندات" بالساحل الشمالى والعين السخنة والبحر الأحمر ، وعن بعض الأثرياء الذين لايقبلون أن يجلس معهم أحد من البسطاء فى نفس المكان الذى يتواجدون فيه ، وينفرون من أن يأكل أحد من محدودى الدخل على المائدة المجاورة لهم فى نفس المطعم الذى يأكلون فيه . 
هناك إذن طبقة جديدة أصبحت تعطى نفسها استعلاء ماديا و حضاريا ، وترى فى الآخرين تخلفا ورجعية ، وتتعامل بعنصرية وطبقية غريبة جدا ، وقد أحسن الأستاذ عثمان صنعا إذ نبه إلى خطورة هذا الإنقسام الذى بدأ منذ سنوات والآن يتزايد ويتسع ، ويهدد البنيان الاجتماعى للدولة ، الأمر يتجاوز مجال السياحة إلى الأمن القومى المصرى ، عندما يتنمر بعضنا على بعض بسبب الزى أو الدين أو اللون ، وعندما يتعامل فريق منا مع غيره بدونية ، ويتم تقييم الناس وفقا لمظهرهم وشكلهم وما يملكون من ثروات ، فإن هذا مؤشر على أننا نعود إلى الخلف ، وأن سلامنا الاجتماعى ليس بخير ، وهو مايجب أن تنتبه له الدولة وتتعامل معه بحرص شديد . 
لقد وصل الحال بالبعض إلى أن يضع بنفسه قواعد للتعامل مع الغير وفق هواه ووفق نزواته مادام مقتدرا على ذلك ، وهذا مرض خطير ، ولا يمكن أن يكون سلوكا سويا أو متحضرا فى زمن ينادى بالمساواة والحرية وكرامة الإنسان وقبول الآخر، ووزارة السياحة من جانبها وضعت قواعد صارمة  وصريحة بأحقية كل إنسان فى ارتياد المقاصد السياحية والمنشآت الفندقية دون تمييز ، وتطالب أى شخص يتعرض للمنع أو التنمر أو سوء المعاملة بسبب الملبس أو المظهر أن يبلغ الوزارة فورا أو هيئة تنشيط السياحة أو غرفة الفنادق والمنشآت السياحية ، وإذا ثبتت صحة الشكوى تطبق العقوبات القانونية التى تصل إلى غلق المنشأة . 
كنا فى الماضى نلوم بعض المتشددين دينيا عندما يتنمرون ـ أو يتحرشون ـ بمن ترتدى الملابس الضيقة والقصيرة والكاشفة ، ونطالب بالحرية للجميع فى إطار العرف والتقاليد السائدة ، واليوم يجب أن ننبه لخطورة هذه الطبقية الجديدة التى تتعامل بعنصرية فجة ، فمصر عاشت ، ويجب أن تعيش ، شعبا واحدا متآلفا بكل فئاته وطبقاته ، رغم أى اختلاف فى الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الطائفة أو الطبقة ، كلنا مصريون لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات .