هيرمس
شايل جيل

عين العقل

جوقة العميان !!


كان القس الألمانى الشاب مارتن لوثر شجاعا عندما رفض لعبة صكوك الغفران التى مارستها الكنيسة الكاثوليكية ، حيث يدفع المؤمن ثمن المكان الذى يريده فى جنات الخلد للكنيسة ويحصل على صك الشراء ، بل يمكن أن يحجز مكانا بثمن نقدى لنفسه ولذويه من الأقارب أو الجيران ، وبمقتضى هذا الصك يغفر الله له الذنوب والخطايا التى ارتكبها فى حياته .
عارض مارتن لوثر تلك الممارسة البابوية التى صدقها بسطاء المسيحيين ، وسخر منها  متسائلا : منذ متى كان الخالق عز وجل سمسار عقارات ، فانزعجت الكنيسة من تمرد القس الشاب على السلطة البابوية والتفاف أعداد متزايدة من المسيحيين وبعض أمراء المقاطعات الألمانية حول دعوته ، رغم أن البابا أعلن تكفيره وفصله من عداد المؤمنين ، وأطلقت القيادة البابوية فى الفاتيكان على مارتن وأنصاره مصطلح " المحتجين " أو " البروتستانت ". 
هذا هو نموذج التجديد الدينى الذى ساقه عالم الاجتماع السياسى الدكتور سعد الدين إبراهيم فى مقاله بجريدة " المصرى اليوم " السبت الماضى ليكون قدوة للتجديد الدينى الإسلامى الذى يريده ، والذى يطالب الأزهر والأزهريين بأن يقوموا به .
 وزاد الأمر توضيحا بقوله إن حرب المائة عام فى أوروبا المسيحية كانت أساسا بين أنصار بابا الفاتيكان وهم الأغلبية وأنصار مارتن لوثر وهم الأقلية ، ولكن تلك الحرب لم تنجح فى هزيمة البروتستانت ولم تمنع انتشار مذهبهم الدينى الإصلاحى الذى حرر العقول وأطلقها لاكتشاف الكون والطبيعة وتفجير الثورة العلمية والكشوف الجغرافية والوصول إلى الأمريكتين ، والثورة الصناعية التى غيرت الإنسانية كلها على كوكب الأرض ، ومهدت لثورات أخرى وصولا إلى غزو الفضاء بما فى ذلك وصول الإنسان إلى القمر وتأسيس محطة فضائية دائمة عليه. 
وحسب زعم  الدكتور سعد الدين فإن ذلك كله وأكثر حدث بسبب تمرد قس ألمانى شاب على الكنيسة الكاثوليكية فى روما التى كانت ترفض أى تجديد فى الفكر الدينى اللاهوتى ، وقياسا على ذلك يطرح السؤال التالى : هل تكون المفكرة الدينية الشجاعة الدكتورة آمنة نصير أستاذ علم العقيدة بالأزهر هى أول الغيث فى تجديدالخطاب الدينى الإسلامى وتحريرعقول المسلمين كما فعل مارتن لوثر منذ خمسمائة سنة ؟!
ــ لماذا الدكتورة آمنة نصير تحديدا ؟! 
ــ لأنها كانت قد ذكرت فى حوار مع " الأهرام "  نشر فى 15 مايو الماضى أن الأزهر ليس لديه الجرأة لتجديد الخطاب الدينى ، فمن شب على شيء شاب عليه ، والأزهريون نشأوا على أن يتخندقوا داخل النص عملا بالقول الأزهرى المأثور أنه لااجتهاد مع النص . وهذه هى العبارة التى استند عليها الدكتور سعد فى مقاله المشحون بالتعريض بالأزهر والأزهريين ، والذى وضع له عنوانا مستفزا يقول : " الأزهريون لن يجددوا الخطاب الدينى أو أى خطاب آخر " ، ولم ينس بالطبع أن يدق إسفينا بين الأزهر والدولة جريا على السنة التى اشتهرت خلال السنوات القليلة الماضية ،  ويحرض على شيوخ الأزهر الذين يتهمهم بأنهم لايرغبون ولا يقدرون على التجديد الدينى المطلوب .
لم ير الدكتور سعد وجوقة العميان الذين يتشدقون بمثل حديثه أى تجديد حققه الأزهر ، ليس لأن الأزهر لم يجدد وإنما لأن الأزهر لم يحدث التجديد الذى يريدونه هم ، والذى من شأنه أن يلفق للناس دينا جديدا غير الإسلام الذى نزل به الروح الأمين ، ويغير العقيدة والشريعة ومنظومة الأخلاق والمعاملات التى أقرها الله عز وجل للمسلمين يوم أن أخبرهم فى كتابه العزيز : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " ، ولو فعل الأزهر ـ لاقدر الله ـ  مايريده هؤلاء العلمانيون باسم التجديد سيفقد مبرر وجوده ، لأنه ماوجد إلا لحفظ الدين وعلومه من أى تشويه أو تشويش. 
وقد مرت سنوات على الأزهر قيدت خطواته نحو التجديد ، حين كان يجاهد ضد المتطرفين والإرهابيين المتدثرين بالدين فى ناحية والمستغربين والماركسيين والعلمانيين فى ناحية أخرى ، لكن عندما انفتح المجال العام أمامه انخرط فى مضمار التجديد بكل قوة وثبات ، ولم ينفرد وحده بهذا الجهد الجبار ، وإنما دعا إليه المثقفين والمهتمين بالشأن العام من كل التيارات ، وخرجت نتائج الحوار مبهرة لكل ذى عينين فى وثائق الأزهر الصادرة عام 2011 وما بعده ، ثم مؤخرا فى وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها فضيلة الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان، إضافة إلى تجديد المناهج الدراسية الأزهرية. 
ومازال الأزهر يتحرى التجديد ليواكب متغيرات الحياة ، لكنه تجديد محكوم بثوابت الدين والشريعة والحفاظ على ثقة أمة الإسلام .
أما التجديد الذى تتطلع إليه جوقة العميان لاختراع دين جديد وفق النموذج الذى ساقه د.سعد فلا يقدر عليه الأزهر لعدة أسباب ، أهمها أن الإسلام ليس فيه بابا ليحكم بالإيمان والكفرعلى أحد وليس فيه سلطة باباوية ، وليس فيه صكوكا للغفران ، ولم يسمع أحد عبر التاريخ أن الإسلام ضد العلم وتحرير العقول. 
يقول الدكتور سعد فى مقاله : " لقد خسر الأزهر والإسلام والمسلمون كثيرا بسبب حصار ومصادرة دعاة التجديد من الشيخ محمد عبده إلى الأخوين على ومصطفى عبد الرازق إلى طه حسين وسيد القمنى ونصر حامد أبوزيد ، فليلتف كل المستنيرين خلف د.آمنة نصير من أجل تجديد الخطاب الدينى الإسلامى ، ولتكن البداية بمفكرينا العظام مراد وهبة وأحمد عبد المعطى حجازى وجابر عصفور ".
هذا كلام ينطوى على تدليس كبير، فتجديد شيوخنا الأفاضل يختلف تماما عن التجديد الذى يتحدث عنه مراد وهبه وحجازى وعصفور وناعوت ومنتصر وعيسى وبحيري وبقية الجوقة.