هيرمس
شايل جيل

إلى الأمام

الحب في عصر الدباديب !

..والدبدوب جعلوه رمزا للحب وعلامة ملازمة للعشاق في العصر الحديث.. ويقولون ان هناك ثلاثة مشاهد محفورة في الذاكرة المعاصرة للدباديب.

احدها وهو يتصدر سيارة نصف نقل تحمل جهاز العروسة فيما يعرف بزفة العفش وهي سيارة تحظى باهتمام بالغ او بليغ في المشهد اذ تتعدد الدباديب واحجامها واوزانها ما يشبه عائلة الدببة وتحظى بحماية رفيعة حتى لا تتسرب ولا يصيبها اذى من غبار اواهمال حتى تسبق العشاق الى مقر عش الزوجية وتحتل مقاعدها في مكان يعادل قدس الاقداس عند الفراعنة القدامى لتكون الدبادب اول ما تصافح عين العروسين عند ولوجهما الى القفص الذهبي المدبدب..

وعلى رأسها..فتحمل دبدوبها خلسة بعد انتهاء فسحة المدرسة او بعد التزويغ والثاني: في يد فتاة ملتاعة اضنتها سهام فتاكة من شياطين كيوبيد اصابت عقلها واوهمت قلبها انها على عتبة الحب ولابد لها من دبدوب تدوب في احضانه.وانها لن تكتمل لها انوثتها الا اذا حملت دبدوبا احمرا واهدته الى دبدوب آخر يدبدب حواليها من الحصة الرابعة لتهرع الى الشوارع الخلفية في انتظار من يعبر سور المدرسة او من ينتظرها داخل توك توك اسود على ناصية مقهى الحبيبة.

الثالث: الدبادب المعلقة على سور مجاور لكشك على ناصية شارع الجامعة..اشكال واحجام متنوعة موضوعة بعضها فوق بعض بغير عناية بعضها معدول والاخر مقلوب .. ورجل عجوز يحمل منشة يحاول ان ينفض عنها الغبار.ضرباته اشبه بضرب "الغازية في حمارها" كما يقولون ..شكله وصوته يوحي بأشياء كثيرة ونهايات غير سعيدة للدباديب واهلها.

المشهد يستدعي للذاكرة على الفورحكايات وروايات مصارع العشاق. ويبدو ان الدباديب تواجه المصير المحتوم المشئوم.

هل ضرب الركود سوق الدباديب.هل لاقت مصرعها سريعا.هل غاب الحب هل ذهب في اجازة مفتوحة.هل رحل الى بلاد اخرى.هل غادر محتجا على ما يحدث من اهانات وعدم تقدير للحب هل يأس من البشر وحياتهم هل يبحث عن حبِّيبة جدد؟!

ترى ماذا فعلنا بالحب عندما انزلناه من عالمه العلوي السماوي وهبطنا به من عالم فارس الاحلام الى درجة الدبدوب؟!

على وجه اليقين لا اعلم حتى الان سر الارتباط مع الدبدوب ولماذا لم يكن حيوانا او طائرا اخر مشهور بالرقة والرومانسية اوممن لها تاريخ حافل في الحب واتخذت اصواتها علامات للحب ونسجت من حولها قصص عظيمة عن الوفاء للحبيب.(أبكت تلكمو الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد).

ليس من قبيل المبالغة القول ان أزمات عاصفة ضربت الحب وتكاد تودي به..لولا بقية باقية من ايمان ..للاسف لم ننتبه جيدا الى تلك الازمات وتركناه عرضة للهلاك..لم نفزع لموجات الكراهية ورياحها السموم.حدث استسلام لدواعي النفور والاستهانة بالحب والعبث به واستغلاله واستخدامه وسيلة للنفاذ للاغراض الخبيثة والدنيئة.لم نسارع الى التطهر عند محاولات التدنيس.لم نضرب بيد من حديد على العابثين والمنحرفين والمتخذين من الحب ستارا.ولم ننتبه حتى عندما انهارت اركان ركينة في المجتمع.وتبدلت احوال وانقلبت علاقات رأسا على عقب واختلطت اوراق ولم يعد احد يعرف حابلا من نابل.

لم نفق الا على زلازل في العلاقات الإنسانية جرائم بشعة يشيب لها الولدان كما يقولون..قتل حرق نهب اغتصاب تقطيع بالمناشير القاء في الزبالة وفي الصرف الصحي..سرقة خيانة.. بشاعة ما بعدها بشاعة..حتى يخيل اليك اننا اصبحنا في عالم اخر..عالم لم تمر عليه روح الانسانية لم تعرف الرحمة اليه سبيلا..وان العالم قد اقتربت نهايته..وان علامات الساعة وامارات قيام القيامة قد بدأت بالفعل..

اباء وابناء وزوجات قتلة وامهات لا علاقة لهن بالامومة ونساء لا علاقة لهن بعالم المرأة لا بالانوثة ولا تعرفهن نون النسوة ولم يمسسهن اي طائف من الادب والاخلاق.هذا على مستوى الافراد.

اما على مستوى الامم والجماعات فالحال اكثر بؤسا ومأساوية..منطق الغابة هو السيد..القوي ياكل الضعيف.تدمير وتخريب وضياع وشتات ومآسي بلا رحمة ولا انسانية..رغم تقدم مزعوم وحضارة متوهمة وشعارات انسانية زائفة زاعقة ناعقة ضررها اكثر من نفعها.

السؤال الحائر الان هل ضرب الفساد اركان الحب؟هل فسد الحب فعلا ؟هل استغنى الناس عن الحب ام ان هذا من المستحيلات في دنيا البشروالناس؟

المؤكد ان الناس تتنفس وتتعاطى حبا فاسدا رفع من رصيد الشقاوة والحرمان والتعاسة رغم التفكير في انشاء وزارات وهيئات للسعادة وجمعيات للمودة وما شابه. الحب فسد بفعل فاعل مع سبق الاصرار والترصد هناك جهات خفية وغير خفية ظاهرة وباطنة تلعب على اوتار افساد الحب وتقدمه للناس مسموما بكل الطرق في السينما والدراما التلفزيونية وغيرها..تقدم للناس مسخا من العلاقات الرديئة ويسمونها حبا ويتلاعبون بالمشاعر والعواطف ويخلطونها بالسكر والعربدة وكأن الحب لا يصلح ولن يحصل الا اذا سلك تلك السبل المشينة والمهينةالمنافية للقيم والاخلاق.اكثر السهام المسمومة للحب تأتي دائما من قبل الدراما واهل الفن الهابط والرديء سواء من الداخل او الخارج..وللاسف رغم هول ما يأتي عابرا للحدود الا ان قوى الهدم في الداخل اشد خطرا واكثر اسفافا وعداء لقيم الحب وكل ما يؤدي اليه من قول اوعمل..

الحب فسد عندما تعاملنا معه كأنه لعبة وليس قيمة وهدفا ساميا نبيلا..وحين جعلناه عيبا وحراما من ناحية وفتحنا ابواب اللهو والمجون عن اخرها باسمه من ناحية اخرى.  

الحب هرب من الساحة  من كل الابواب لاننا لم نرغب او نعمل على تعليم وتدريس الحب وارضاعه للاطفال والكبار ايضا بدلا من ان نرضعهم فنون الكراهية والحقد والكيد للاخرين.وهذه نقطة مهمة للغاية وتنبه اليها الاوائل حتى في سنوات ماقبل الميلاد فهذا الشاعر والفيلسوف الروماني القديم افيدوس المولود عام 43 قبل الميلاد قد وضع عدة كتب في فنون الحب ومنها كتب خاصة لتعليم الحب سواء للرجل او للمرأة ولا تزال كتبه حتى الان صالحة ومعبرة عن ازمات الحب المعاصر وقادرة على انقاذه مما اصابه من وجع والم اليم ..

الخلل في منظومة الحب لن يتم اصلاحها الا اذا توفرت ارادة حقيقية من كل القوى الفاعلة على صعيد التربية والتوجيه والاتصال الجماهيري  وايمان باهمية الحب الحقيقي ودوره في اعادة التوازن مرة اخرى لعلاقات الحياة والمجتمع والناس.

  **من اقوال الفيلسوف الالماني إريك فروم:

القدرة على الحب تتطلَّب حالةً من التوتر واليقظة والحيوية الدائمَة وهي مسائل لا يمكن أن تكون إلا نتيجة نزوع مثمِر وفعَّال في المجالات الأخرى العديدَة للحياة. إذا لم يكن الإنسان مثمرًا في المجالات الأخرى فإنه لا يكون مثمرًا أيضًا في الحب.

[email protected]