هيرمس
شايل جيل

دائرة الوعي

لماذا في وقت الشدة فقط ؟!

 

" يظهر المعدن الأصلي للمصريين وقت الشدة "، مقولة سمعناها كثيرا وتثبتها الأحداث عمليا بالتحرك التلقائي لمساعدة من تعرفهم أو لا تعرفهم من المتضررين في أوقات الأزمات والكوارث. لفت نظري وجود مجموعات لمساعدة من تقطعت بهم السبل بسبب الامطار الغزيرة الناجمة عن اعصار التنين . وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من وقوف المصريين بجوار بعضهم ما يثير التفاؤل بعودة الشهامة الى الشارع المصري من جديد بعد غيابها .

وأعقبت أزمة اعصار التنين ، أزمة الكورونا التي تمر بالعالم كله حاليا . وفي وسط الهلع والرعب الذي يجتاح العالم تجد بين المصريين في الداخل والخارج من يطمئنك ويرشدك إلى الموقف الصحيح الذي يجب إتخاذه لتفادي الوباء. فمع تصاعد الأزمة دعاني أحد المصريين الشرفاء للانضمام إلى مجموعة على الفيسبوك أسماها ( كورونا مش حيقدر علينا ) وكتب يحدد هدف المجموعة يقول :" الجروب لمساعدة الدولة فى نشر الوعى بين المواطنين ونشر الطمأنينة بين الناس ... ومحاولة تحجيم العادات السيئة التى تؤثر على الصحة وتنقل المرض .. بجانب فضح كل مستغل للأزمة ويتاجر بهموم الوطن وتبادل المعلومات والتجارب والنصائح ". .

وتجلت هذه المساندة بشكل أكبر مع المصريين في الخارج. ففي الوقت التي تنتشر هناك ثقافة " الأنا " انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى هاشتاج " احنا فى ضهرك " أسسه المصريين المقيمين فى الخارج وقرروا من خلاله تقديم المساعدة للمصريين المغتربين الذين يواجهون أزمات مختلفة في ظل ظروف تعليق السفر في أغلب دول العالم. وقد تابعت هذا الرابط وسعدت عندما وجدت رسائل من مصريين يعيشون في عشرات العواصم العالمية يعرضون المساعدة للزائرين اللذين يريد العودة لمصر قبل تعليق الطيران ، واستضافة من لا يجد مكانا يأويه . وكتب احدهم يؤكد توافر سكن يسع 10 اشخاص ، وعرض اخر بأنه يمتلك سيارة وعلى استعداد لنقل أي مصري إلى المكان الذي يريده . وكتب ثان يقول :" اوعى تخاف اخواتك في كل حتة في الدنيا" وكتب رقم هاتفه كي يتصل من يريد المساعدة.

وكتب ثالث يقول " بيت اخوكم مفتوح ويسع من الحبايب الف"، وكتب رابع يقول " لو اي مصري في زيارة اتزنق في الفلوس يبعت لي خاص ".

وهنا نطرح تساؤل : لماذا تظهر هذا المعدن الاصيل وقت الشدة فقط؟. الحقيقة أن شهامة المصريين لم تغب تماما ولكنها أصبحت نادرة بسبب تغيرات كثيرة طرأت على مجتمعنا خلال العقود الاربعة الاخيرة ، وفي مقدمتها طغيان المطامح والأطماع المادية على القيم المعنوية والدينية مما دفع الغالبية للبحث عن الثراء المادي السريع حتى ولو بالطرق غير المشروعة وبالأساليب الملتوية . وقد ساعد على ذلك توجه الدولي الرسمي بإعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي . ويرى الخبراء الاقتصاديين أن  القانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته، وهو أهم خطوة منفردة اتخذت على طريق الانفتاح، لأنه فتح باب الاقتصاد المصري لرأس المال العربي والأجنبي للاستثمار المباشر في كل المجالات ، والقانون 118 لسنة 1975 الذي منح القطاع الخاص حق التصدير والاستيراد. وبموجب القانونين توسعت نزعة الاستهلاك وتراجع الانتاج فتزايد الاستيراد وقل التصدير، مما أدى لثراء أقلية بشكل فاحش وافقار الأغلبية.

وجاء فيروس كورونا الذي لا يفرق بين غني وفقير، وليس له علاج يمكن أن يشتريه الأغنياء فقط .وهي فرصة لنراجع أنفسنا ، ونعود إلى قيمنا الحقيقية ، وتعود الشهامة سمة رئيسية للمواطن المصري.

[email protected]