هيرمس
شايل جيل

أقول لكم

استراتيجية تطوير التعليم : "المجموع لن يقرب على المية"

شد وجذب، هجوم ودفاع، اتهامات وتحذيرات، شائعات وتكذيب لمضونها، هذا هو الحال بين أولياء الأمور والدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، بعد أن سقطت «استراتيجية تطوير التعليم» الجديدة مثل الصاعقة على رؤوس الطلبة، كما جاءت مثل الرياح التي لا تشتهيها أسرالطلاب التى اعتادت أن يحصل الأبناء على مجموع كبير كل عام خصوصاً الثانوية العامة " قرب على الميه" أو تجاوزها، ولا يخجل الكثير من الاّباء الذين يعلمون أن الاّبناء حصلوا على هذه الدرجات نتيجة الغش الذي يكون فردياً و في كثير من الأحوال جماعياً من الاعتراض على تطوير التعليم، ما أدى إلى تراجعه وعدم الاستفادة من خريجي الجامعات الذين يصل عددهم إلى الملايين كل عام، ولذا كان من الطبيعى أن يبدأ التطوير من الجذور حتى تستفيد الدولة من قوتها البشرية خصوصاً أن المدارس تضم 22 مليون طالب إضافة إلى مليون و300 ألف معلم، وإذا كانت المدارس الدولية و الخاصة تحرص على تطوير مناهجها، إلى أن المدارس الحكومية المجانية تمثل 68% من مجموع المدارس في مصر، والمدارس الخاصة واللغات 12%، والتجريبية لغات 1%، والمدارس الدولية أقل من 1%.

ويطالب أولياء الأمور الداعين إلى تأجيل تنفيذ نظام التعليم الجديد بتشييد بنية تحتية قوية من مدارس مزودة بأجهزة كمبيوتر وتوافر الانترنت في المدارس والبيوت، ونسى هؤلاء أن مصر ظلت تنتظر عشرات السنين لدخول عصر التكنولوجيا ولم يعد هناك وقت لرفاهية الانتظار، خصوصاً أن الحومة أنفقت مبالغ ضخمة من أجل البدء إطلاق شرارة التطوير في الوقت الذي لايزال أولياء الأمور يدفعون مبالغ بسيطة رسوماً دراسية لأولادهم، إذ كانت وزارة التعليم أعلنت عن مصاريف الدراسة للعام 2019 ـ 2020 وهي كالتالي، مرحلة رياض الأطفال: 145 جنيهاً، والمرحلة الابتدائية 160 جنيهاً و الإعدادية  150 جنيهاً، والثانوية العامة 195 جنيهاً، والتعليم الفني بجميع أنواعه 170 جنيهاً، وهي بالطبع مبالغ زهيدة فهل يعتقد أولياء الأمور أن هذه المبالغ كافية لتوفير بنية تحتية تتكلف مليارات الدولارات؟، في ظل معاناة العملية التعليمية من كثافة في الفصول وتراجع أحوال المعلمين المعيشية.

إذن كل الشواهد تؤكد أن لا مجال للانتظار أو تأخير البدء في التطوير، حتى يكون لدينا تعليم حقيقي، ولا ننسى أن مصر حصلت عام 2013 على المركز الأخير في التصنيف العالمي لجودة التعليم، بينما حصلت عام 2018 على المركز 133 من 137 في جودة التعليم الأساسي، لأن جميع الطلاب يسعون إلى الحصول على مجموع مرتفع لدخول الكليات التي يطلقون عليها " القمة" حتى لو كان ذلك عبر نظام تعليمى متخلف لا ينتج خريجين يفيدون المجتمع والدليل على ذلك أن نظام الثانوية العامة الحالي الذي يتخرج منه طلاباً بمجاميع مرتفعة تزيد أحياناً على 100% منذ عشرات السنين لم ينجب شخصاً متفوقاً في أي تخصص علمي أو قدوة ورمزاً في المجتمع بتفوقه بعد المجموع الأسطوري الذي حصل عليه في الثانوية، ولذا سيتم إلغاء نظام الثانوية العامة التقليدي في عام 2020 -2021، إذ سيتم قياس مهارات الطالب بأساليب حديثة بهدف إلغاء تعليم التلقين والحفظ بهدف تحقيق الاستفادة للطلاب، بما يعود على المجتمع بالفائدة من خلال تغيير شكل أسئلة الامتحان باستخدام نظام «التابلت".

هل قفز الدكتور طارق شوقى،  في الظلام، وفق تعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، عندما قرر الإسراع في تنفيذ استراتجية التعليم الجديدة؟ والإجابة تؤكد أنه لم يكن أمامه حل اّخر، فمصر انتظرت الكثير من أجل البدء في الانطلاق نحو تطوير التعليم، بعد أن وصلت إلى المرتبة الأخيرة في جودة التعليم، جميع وزراء التعليم خشوا مواجهة أولياء الأمور، فماذا كان ينتظرون؟ لقد كان الدكتور شوقي أكثر حماساً ممن سبقوه في  بدء خطة التطوير وتحمل ولايزال الكثير من النقد من أجل الوصول إلى نقطة نجاح، بعد أن سبقتنا كل دول العالم في هذا الطريق وحققت كوريا و أندونيسيا وسنغافورة ودول أخرى في العالم نجاحات كبيرة في هذه المجال، ورغم الشد والجذب وإطلاق الشائعات على " نظام شوقى"، إلا أن الرجل لا يزال يسير في الطريق، وجاء فيروس كورونا ليؤكد أن هذا النظام هو الحل بعد أن أصبح من الصعب إيجاد نظام بديل لاستكمال العام الدراسي.

لقد كانت مقولة عميد الأدب العربي"التعليم حق للجميع كالماء والهواء" ثورة على النظام الاجتماعي الذي كان يسمح لأبناء الأغنياء فقط بالالتحاق بالمدارس والجامعات في ذلك الوقت، وهوهو أول من رفع هذه الجملة شعاراً للمطالبة بمجانية التعليم، وأن يكون حقاً للجميع، مثل الماء والهواء، وكان دستور 1923 أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم، ومع تولي الدكتور طه حسين، وزارة التعليم فى 12 يناير 1950، أصدر قراراً فى 1951، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقاً مع فكرة أن التعليم يجب أن يكون متاحاً ومشاعاً كالماء والهواء، ومع قيام ثورة 1952، تضمن دستور 1956، أن التعليم حق للمصريين جميعاً وتتكفل الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وتضمنت المادة 50 بأن الدولة تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان.

وتواصل اهتمام الدولة بالتعليم وفي 1961، أعلن  الرئيس جمال عبدالناصر الثورة التعليمية الحقيقة، عبر إتاحة التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وأتت تعديلات الدستور فى مارس 1966 مؤكدة على مجانية التعليم، حيث ذكر فى المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان"، وأرى أن المصاريف التي اعتمدتها وزارة التعليم العام الجاري تؤكد مجانية التعليم عملياً لأنها ضئيلة جداً من أجل نهضة قوية لأن بناء الأمم يكون عبر الاهتمام بالتعليم في كافة مراحله من أجل  تجهيز خريج قادرعلى قيادة الأمة لتظل صامدة في وجه التهديدات الخارجية، كما أن تطويرالتعليم سيفوت على تنظيم الإخوان الإرهابي مهاجمة نظام التعليم الحالى وفي الوقت نفسه حرمانهم من فرصة تسريب الإمتحانات خصوصاً الثانوية العامة وإحداث بلبلة في المجتمع، بعد أن فشلوا في نشر أفكارهم المتطرفة عبر الشائعات والأكاذيب خلال منصاتهم في تركيا وقطر.

إن وزارة التربية والتعليم التى ألقت حجراً في المياة الراكدة منذ سنوات تعلم أن نجاح المهمة ليس سهلاً، حيث إن هدفها بناء الإنسان المصري، ولم تنس أن المعلم أساس نجاح منظومة التعليم الجديدة، ولذلك أعدت خطة لتدريب المعلمين على المناهج الجديدة، إضافة إلى توطين التكنولوجيا الحديثة من خلال توفير أجهزة التابلت والسبورات الذكية لتسهيل دخول الطلبة على بنك المعرفة المصري، فالمعروف أن التعليم شبكة متناسقة من أطراف عدة تعمل في تناغم، ولذا لابد من الاعنماد عليها كلها في وقت واحد ويتزامن ذلك مع نجاح تجربة مدارس التكنولوجيا التطبيقية حيث يتم وضع المناهج من قبل خبراء أجانب ومنظمة “اليونسيف” ومركز المناهج لموائمة نظام التعليم، وبما يناسب قدرات الطلاب، ويبدو أننا من العام المقبل، لن نسمع أغنية المطربة ليلى نظمى، من الثانوية ع الكلية والمجموع قرب علي المية، لأن المجموع لن يقرب بأي حال من الأحوال من المية، فالنظام التعليمي الجديد يحتاج إلى التفكير وليس الحفظ والتلقين وهو ما كان يفتقده طلابنا خلال السنوات المقبلة، قبل أن تهب رياح التغيير والتطوير على النظام التعليمي الذي يندفع بقوة نحو المستقبل.

وأقول لكم، إن مصر التي تسعى لدخول عصر التكنوجيا في المجالات كافة، تحرص على إقامة نظام تعليمي مميز لأنه السبيل الوحيد لوضع أسس التقدم الحديثة وتوطين التكنولوجيا، والدولة لم ولن تتراجع عن تنفيذ استراتيجية تطوير التعليم، إن يحاربون طارق شوقي ويهاجمونه وينشرون الشائعات ضده عبر مواقع التواصل، ويشترون الأبحاث لأبنائهم بمبالغ تتراوح بين 20 إلى 100 جنيه معتقدين أن أولادهم سينجحون، أؤكد لهم أنهم يحاربون أنفسهم وأن أبناءهم لن يجنوا سوى الفشل لأن البقاء سيكون للمتفوين الذين يعتمدون على أنفسهم ويتعلمون لأن المعرفة هي السبيل الوحيد لتقدم الأمم وخلق أجيال جديدة قادرة على الإبداع والإبتكار من أجل النهوض بالوطن ووضعه في مصاف الأمم العظمى، من خلال ربط العملية التعليمية بسوق العمل، حتى يعثر الخريج على وظيغة مناسبة ما يسهم في التقدم بجميع المجالات خصوصاً الصناعية والتكنولوجية وهو ما يؤسس لدولة حديثة ذات اقتصاد قوى ينعم جميع المواطنين فيه بالرفاهية.

[email protected]