هيرمس
شايل جيل

أنا خير منه

 

 

 

أنا خَيٌر منه، خلقتني من حضر .. وخلقته من ريف.

أنا خَيٌر منه، خلقته سمين .. وخلقتني نحيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني مليك .. وخلقته وصيف.

أنا خَيٌر منه، أقمته في شقة .. وأقمتني في قصر منيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني مُبْصِر .. وخلقته كفيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته داعر .. وخلقتني عفيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني أوروبي أشقر .. وخَلقته أسيوي، أصفر عجيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته أسمر باهت .. وخَلقتني أبيض، لطيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني قمحي مليح .. وخَلقته أسود، مخيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني أمريكي سامي .. وخَلقته فلبيني وضيع، سخيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني سيدًا أسيويًا .. وخلقته عبدًا، أفريقيًا خارج التصنيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني يوناني عريق .. وخلقته روماني، خفيف. 

أنا خَيٌر منه، خلقتني فرنسي أنيق .. وخلقته ألماني، غير أليف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني من مصر .. وخلقته خليجي، صليف. 

أنا خَيٌر منه، خلقته من أرض الهرم .. فيما خلقتني من أرض الحرم الشريف.

أنا خَيٌر منه، خلقت لي جنسيتين .. وخلقته "بدون" كضيٍف ليس خفيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني أسد أبراج الصيف .. وخلقته عقرب الخريف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني جامعي .. وخلقته بدبلوم، مستواه ضعيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته ضَيف .. وخلقتني مُضيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته وَحدات .. وخلقتني فيَصلي حرّيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته زملكاوي .. وخلقتني أهلاوي هدّيف.

 أنا خير منه، خلقتني أكثر مالًا وأعز نفرا .. وخلقته عقيم، لا يملك رغيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته مسيحي تبشيري .. وخلقتني مسلم، حَنيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني مسيحي سَمح .. وخلقته يهودي، عَنيف.

أنا خَيٌر منه، خلقتني يهودي رَباني .. وخلقته قَرائي، حَبشي، خَسيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته كاثوليكي .. وخلقتتني بروتستانتي حَصيف.

أنا خَيٌر منه، خلقته بروتستانتي .. وخلقتني أرثوذوكسي رَئيف.

أنا خَيٌر منهم، خلقتني سُني .. وسائر الكون يهوى في عالم التجديف.

 

ما سبق هو صور أدمية مبتكرة من قولة "الكِبر" الشيطانية:

 "خلقتني من نار وخلقته من طين."

ما سبق أخرج ابليس من مكانته العليا في السماء واستوجب عليه غضب الله و لعنته.

إنها صور لا حصر لها من كبر شياطين الإنس الذي علا على كبر شياطين الجن، 

سواء الكِبر والتمايز بالأنساب أو بأسماء العائلات أوالتمايز باللون، أو التعالي بمستوى التعليم أو بالعصبية للأديان والمذاهب، أو الكِبر لعدم اقتراف ذنوب معينة أو التمايز بالصِحة أو بالتراتبية الإجتماعية والثراء أوبالعصبية للأصول، أو حتى للفرق الرياضية.

متى سنهجر شتى أشكال العصبية المستتر منها أو المفضوح لننتصر لإنسانيتنا؟

متى سنزدري المزايدات على الوطنية بالشكليات والمسميات؟

الغريب أننا نتعصب دون وعي، كشكل من الإعتياد على التقليد الآمن أو توارث العصبيات كمسلمات لا تخضع للمسائلة بل قد تعنون وطنية مجانية .. ليتها بالافعال والجهد والبذل.

 تجرحنا عصبية الأوروبي لبياض بشرته ونعنونها عنصرية، فيما ننغافل عن تمايزنا بدرجات ألواننا حتى أن أهل النوبة في مصر أحجموا عن الزواج إلا من بعضهم البعض، درءًا للمعايرة، كي لا يقال لهم

:"حنطتنا تعلو على سمرتكم، أو سمرتنا تتفوق على سوادكم"!

إنها دوامة كبر ممزوجة بسخف لا ينتهي.

تؤذينا المعاملة الدونية والإستعلاء من الغرب، لكن نمارسها مع البدو وأهلنا في الريف.

تؤذيها غمط زوجها لحقوقها وقلة تقديره لعملها وجهدها في البيت، ثم تستكثر الدولارات التي تنقدها للخادمة!

 شيء ما يطمس على فكرها، فينسيها أن زوجها مخلوق أو مبعوث إلهي للإنتقام للمُساعِدة .. فيستكثر عليها تثمين عملها في البيت، كرسالة من الخالق لعلها تفهم أن رب الخادمة ينظر من فوق على سلوكها ويحمي مخلوقته الضعيفة من تعسف من تظلم، بل ويكيد للضعيف و يذيقها مرار ما تذيقه لمن تحت يدها..

 تنتقد الخادمة: بتعملي ايه طول النهار؟

فيسمعها زوجها ليلًا ولو بلسان حاله

:ما أنت قاعدة طول اليوم في البيت، قومي وصلي الأولاد ولا شوفي لك شغلانة بدل قعدتك زي قلتها.

لأمثال هؤلاء كتب الفيتوري

: إنما يحصد القهر .. من يزرع القهر في زمني.

إنما يلبس الخوف  .. من ينسج الخوف في بدني.

 لَكن يبدو أن تاريخ أثامنا يعيد نفسه في أثواب مختلفة .. فقد تقابل في دروب الحياة هذا المدير او تلكم الزوجة المستقرين نفسيًا على أنهم ارباب أو أسياد، فيما  النخلوقات اللائي يعملن لديهم يحق فيها أن ينظر إليهم من شاهق كخدم، أسافل! 

لذا، فامثال هؤلاء مرتاحين لدور المتفرج على المظلومين في الحياة دون التورّط في توفير حياة عادلة لهم .. يعاينون هذا الذي يحدث كغريب، كما كتب يومًا "فرناندو بيسوا". 

شتان بين هذه النوعية من البشر وإن صلت، وإن صامت .. وبين "جيفارا" الرجل الثري ، الذي غضب لأجل المظلومين وقال

:"إني احس على وجهي بألم كل صفعة تُوجه إلى مظلوم في هذه الدنيا!"

فيما معيار احساس البعض بالظلم هو مدى رفض المجتمع أو قبوله لسلوك ما، 

فمثلًا، لو أقر هذا المجتمع سلوك ما مجحف بحقوق الخادمة ومرره، فنادرًا ما تلتفت رب البيت أو ربة المنزل لأي ظلم يمارسونه.. أما لو ثار المجتمع، فهنا يضطر الظالم للإنصياع لحكم محيطه لا لشرط إنسانيته.

وهذا أبدا لا يعني ان الخدم لا يظلمون، فقد يكيدون في الظلام  ومنهم من يتكبر على من هو أقل منه .. ولبئس ما يفعلون!

- نتفاخر بتسيدنا الحضاري التاريخي كوننا أحفاد الفراعنة أو أحفاد أشوريين، أنباط، إغريق ، رومان أو شركس.. فضلًا على أننا نتصارع على مراكز الريادة بأثر رجعي في أي مجال سعيًا للمفاخرة، ولو لم يكن لنا سهم في إنتصارات الأجداد، فيما لو نطق السلف من مراقدهم، لتبرأوا منا، فيحق فينا قول الشاعر:

 "إذا افتخرت بأباء لهم شرف

 قلنا صدقت، لكن بئس ما ولدوا."

 فشرف الأصل لا يقتضي بالضرورة شرف الفرع كما ورد عن الدكتور عدنان إبراهيم.

 ثم ألم يقل الشاعر؟

وما ينفع الأصل من هاشم

 اذا كانت النفس من باهلة؟!

  ألم ينهانا نبينا (ص)عن العصبية التي وصفها بالمنتنة

:"اتركوها فإنها منيتنة".

 سيدي:

 كل الأمم لديها تراثات تتفاخر وتبباهى بها، لكن الخالث لم ير فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى لا بالنسب..

رباه.. أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أن ينقذوا عالمهم المفخخ بالأهواء من تلكم العصبيات والتمايزات .. انتصارًا للإنسانية؟