هيرمس
شايل جيل

رولين القاسم .. لمن يهمه الفن

كارولين جيرماكيان ..

لكم اهديتي طفولتي أوقات ناعمة مثلك..

أطعمتني صداقة بمذاق قطوف ثمار التوت الأخضر

اذكر جلستنا متجاورتين ذراع على كتف بفناء المدرسة وبيننا أسرارال ولدنه ومسرات الأتراب وكركعات الغريرات، وخلفنا ملعب كرة السلة،وبجانبنا البوابة الخضراء والنخل الباسقات تلك التي طالما شاهدناعم بشرى -ناطور المدرسة- يتسلقاها.

■ ■ ■

لكم هي ماهرة تلكم الأقدار حين تذيقنا محبة الصداقة الخالصة، كبائع في محل بوظة يغريك "بالتيستر"، فتستجيب لطعم "الجاموكا الموند فودج" ثم لا تلبس أن تلتفت لفتة واحدة في الدنيا، فتتوه عن عنوان المحل وتضيع في دروب الحياة وتفتأ تبحث عن المذاق ذاته، بعد أن تأكدت أنه المذاق الأطيب.

وكلما سألت أحد، أجابك وما هو "الجاموكا الموند فودج"

وكلما تقصيت عن أعذب الرفقاء،أُجبت:

 ومن هي كارولين جيرماكيان؟

-لكم فتشت عنك كارولين في وجوه الكتب"الفيس بوك"

ولكم بحثت عنك أينما ارتحلت بين صفحات الأطلس ..

وأكم من مرة التفت يمنة ويسرة مع كلإشارة حمراء على أمل أن يتحقق مستحيل مصادفتك على مقعد القيادة المجاور ..

ولكم كررت اسمك كلما لمحت انقطاع مد ظلي ..

ولطالما سقط مني مع دموع صلوات السحر.

كتبت إيمان فريد الديب يومًا:

 "لا تسقي الورد الصناعي ثم تنتظر أن يُثمر زهورًا طييعية"..

ولكم روينا واعتنينا بالزهر الصناعي في الفجاج الدامسة، آملين أن يطرح بيلسان أو صداقة طبيعية .. ولو يابسة، تجازي الإحسان بالعرفان، لكن يبدو أنه من الصعب تعويض صداقات المدرسة.

تختلسين يا كارولين الكثير من لحظات الرؤى..

عن هذا الوجه المستدير الخالص البياض بأمشاجوردية

وعن تلك الأكتاف المربعة التي تتقاطع عند ارتداء "التابليه الكحلي"..

وعن تلكم المشية الشبيهة بوثبة الريم الضال في البوادي العربية.

عن الإبتسامة الطهوركندى الفجر

عن الخوف والوجل الذي ضبط "ريتم" او ايقاع دقات قلبينا لدى استلام الشهادة المودن بها علامتنا الشهرية.

وعن هذا الجمال الحنون الذي يجذبك لمنطقته بل يذهب حد معصمك ويجرك إليه ..

هذه الروح الدائمة الخيرية والتي لا يُحسَب لها الكون خُمس حساب رغم مقولة الكاتبة نها عتمان

:"يُباع الخير .. يُقبض سعادة"

■ ■ ■

-لأجلك كارولين ..استمعت لزافين وتابعت نيشان.. وأوصدت أبواب مخدعي وجلست قبالة المرآة، اكرر أسم عائلته "نيشان ديرهاروتيونيان" بل رحت أقسمه لست مقاطع، ليسهل حفظه، فإن يجمع الله الشتيتين بعد أن ظنا كل الظن أن لا تلاقيا، فلينطلق لساني بسهولة باسم بن قومك"نيشان ديرهاروتيونيان".

قبالة المرآة ..اكررهاك :" ديرهاروتيونيان، ديرهاروتيونيان، ديرهاروتيونيان".

-لأجلك كارولين تعصبت لنللي، ففضلتها عن شريهان ..

-لأجلك أرسلت طلبات صداقة ل"ارسين كيومجيان" ولكل من انتهى اسمه بقافية ال "يان".

لذكراك "كارولين"، وودت لو عانقت قوم الأرمن من الإنس والجان.

-لغلاوة لحظات براءة لا تعوض، سعدت بوجود "هيلدا اسود جيفركيان" بقائمة قدامي أصدقاء المدرسة وإن لم تكن دفعتي، فهي من بني قومك .. وعلّ الوصل مع الموجود يجمع الشتات بالمفقود في يوما ما من الزمان.

■ ■ ■

-لأجلك كارولين، التفت ل"رولين وضاح القاسم".. فلكم تشبهك .. وجه مستدير وبشرة ناصعة واكتاف مربعة وشعر حرير وكركعات تعيد الصبا للزمان.

كل من تابع "رولين القاسم" الشهيرة ب"تانت فريولا"، أحبها لأنها مفاجئة كوميدية، فضلًا عن أنها "تراجيديانة" مقتدرة تتقاذف منها – مدوية- طلقات الموهبة.

-أما انا فلقد شممت عطرك في الحاسوب مع أول فيديو تابعتهل"رولين القاسم".

 فقد يحدث نادرًا أن تهب رائحة ما، فتغزو أنفك بطوفان من المشاعر ويعتري وجدانك شعور صادم، أن لا أحد يشُمها سواك، فها أنت بغرفتك وحيدًا، وإذا بعطر "وينجز" الذي كنت ترتديه بزمنات الجامعة يهب عليك .. أو قد تخترقك رائحة بشرة صديق.

كذلك، تقابل شخصا في الترام، في مقهى، او مقابلة افتراضية على منصات التواصل، فتعلق به كونه يذكرك بصديق دراسة الطفولة، وفي اقل من ثانية تشتعل جمرة الذكريات.

ويعقب الحنين .. ذهاب السكرة واستيقاظ الفكرة  .. فتحاول الإتكاء على خيوط وعيك او التشبث بنياط قلبك قبل أن تستفيق لتدرك ان الأمر لا يعدو أن يكون تحرش ساعة من ساعات الأمس بحاضرك.

■ ■ ■

هذا ما اعتراني لدى مشاهدتي للفنانة "رولين القاسم" أول مرة.. فقد تابعتها كسواي على "الديجيتال" و لم اتخيل ان هذا الجسد الصغير يحمل تلك الموهبة العملاقة.

رولين مثل كارولين، تعج بالمواهب المركزة كعطور عربية من فصيلة العود الكمبودي الشديد الندرة.

فهي من الشخصيات التي إن قابلتها، فستمنحك جواز سفر لرحلة حياة مركزة..  الضحكة فيها مركزة ..

طعم الشطيرة سيكون ألذ ..

الموسيقى اكثر سحرا ..

الفجر أكثر ضياء..

الوجع أشد إيلاما ..

الرضا أصدق قيلا..

فتاه ترفض أن تشيخ، تعاند الفشل وتعيد تدوير الأحزان باجترار المشاعر وإعادة الإستفادة منها خلال التمثيل..

"رولين"لا يعنيها أن يُعرف عنها انها من أسرة ميسورة أو أنها حظيت بتعليم رفيع، أو أنها أخت الكاتبة القديرة "انجي القاسم"، عدا انها لا تتصنع التباسط وإن كانت تعشق التداول بالجديد الدارج من الكلمات الشعبية، حتى أنه في محيط عائلتها يمازحونها:

": انت يا رولين الوحيدة من بيناخوتك التي لم يُثمر فيها العلام الأجنبي ".

فقد تخرجت من الجامعةالامريكة عقب دراستها للمسرح والإعلام، عدا أنهاتحمل ملامح "خواجاية" لكن أٍه لو فتحت فاها، فسينطلق منها مارد الكوميديا لينافس "زينات صدقي"،"اسعاد يونس" أو عملاقة التراجيديا "عبلة كامل".

-اننا بحيال امرأة بكل النكهات وقوس قزحية الألوان،فهي قادرة على تغير جلدها ومظهرها،حتى أنها اوتيت القدرة على تطويع عضلة صوتها بشكل مدهش.

■ ■ ■

لكن لو شئنا الإنصاف، فكما عجت "رولين" بالمواهب، فبالمقابل، حفلت حياتها بأهوال جسام.

المفارقة أن "رولين" مثلي أنا، أرادت كل شيء على عجل .. فجائهاكل شيء  .. على مهل .. تبغيتحقيق الأهداف بطرفة عين، فعاندها القدر لأربعة عقود حتى فك اسر موهبتها.

حتى ال " الو" الصادرة من صوت"رولين" تنبؤك انها امرأة كما نقول بعاميتنا"متلهوجة" ..

إنها تتحدث بسرعة ك "راديو"يعملبخاصية ال "فاست موشن"، تكاد تذكرك بالفنان "الان ديلون" في دورهبفيلم " الرجل المتعجل".

إنها أيضًا شديدة الصدق في مشاعرها .. فحين تحب، تجاهر بمكبر صوت.. وساعة تكره، تصرخ بفونط 72.. عدا كونها مندفعة حد النزق .. والجميل حقًا هو حيازتهالروح الدهشة و قفزة فرحالأطفال.

أما المزاج فمصري، متقلب صرف.

وتمتلك نفسية الفان المندفع المستعد للدخول في أي معترك ..

اما روح الإنسانية، فهي كما الجدات.

وللحق فهي تتمسكبفضيلةالإلتزام و خصلة الإصرار،ويكأنها من المحاربين القدامي.

■ ■ ■

أنا لا اسأل، ولا يحق لي أن اسأل:

 كيف تأخر بزوغ موهبة صارخة كتلك وكيف بقيت جمرة الأه في وجدانها تسائلها وتعاتبها؟:

 اما آن وقت الاشتعال لإشغال الدنيا بفنك؟

أنا لا أسأل..  ولا يحق لي أن اسأل

:"كيف انسل منك عقد العشرينات وماذا عن الثلاثينات؟

وكيف لم نسمع عنك سوى وأنت بالأربعين؟

صدقا المليحة تبطئ.. والفنانة "رولين القاسم" جد مليحة وقد استوت موهبتها تمام التسوية على شعلة نار هادئة..

فرغم طبيعتها العجولة، لكن يحسب لها مقاومتها لمشاهد الإعتياد على المرارة ورفضها لإحتضان الحسرة ..

ورغم أنكتاب الدهر قد خصص لها مذاكرة فصول من الصبر..

لكنها كانت مدهشة في  ممارسة الجلد.

و رغم أنه قدكُتِبتعليها المحبة ..

إلا أنها بالمقابل أدمنت تداولصرف العطاء.

■ ■ ■

بدايات رولين كانت واعدة، فقد صب الله عليها بيمينه -وكلتا يداه يمين - من نعم الجمال، الأناقة، القبول، العلم والموهبة الفنية من تقليد، رقص وتمثيل، ما كان ضمينًا بأن يتكهنمحيطها انها ستصبح نجمة لا محالة..وفي وقت قياسي.

بالفعل جاءتها وهي دون العشرين فرصة البطولة أمام "هنيدي" في فيلم "صعيدي في الجامعة الامريكية".. وبنفس اليوم المنعقد لمقابلة المنتج، وصل والدها من مقر عمله في الخارج، فاصر العريس على مقابلتهفي التو..

راح الدور ل "غادة عادل" وانشغلت"رولين" في دوامة الزواج والكفاح ومساندة الشريك وتفاصيل الحياةالعائلية بكل ما فيها من تعطيل للطموحات الشخصية.

■ ■ ■

زهاء عقدين من الزمان انسلوا من رزنامة رولينحتى تمطى العمر.. ولكن قبل أن تتثائب الأيام .. استفاقت  روح الفنانة في"رولين"كطالب واجه وقت الإمتحان الذي اوشك على الانتهاء، فعزم على تكريس جل تركيزه لإثبات جدارته بنبؤات زملاؤه الذين طالما غبطوه على نعم الجمال،النسب والألق، الرونق والقبول يوم كانت تسمع وسوسات البعض. يا حسرتنا لقد اعطيت من كل شيء.

■ ■ ■

كان زوجي وهو طالب صغير، الأول على صفه لا الثاني .. وقد روي لي أنه في الثانوية العامة، تم الحاقه -من قبل ادارة مدرسته- بفصل المتفوقين حيث المسائل أعقد، والإمتحانات أصعب عشراتالمرات من باقي الفصول .. والواجبات أضعاف مضاعفة .. وكان استاذه القدير "اسحاق نسيم " يشد الأذان لو نقص طالب نصف نمرة في الكيمياء لثقته في شرحه، ولإيمانه بقدرات طلابه.

اما رولين القاسم، فلم تكن يومًا من الأوائل في المدرسة،  لكن ابى الله إلا أن تكون على رأس من الحقهم بفصل المتفوقات في الحياة، والذي تعقد لهم اختبارات أقسى من سائر البشر، نظرًا لكون مستواهم يؤهلهم لا للنجاح، بل لأن قدراتهم تفرض عليهم التفوق على مختلف الأصعدة.. وإن بعد حين.

 ولأن رولين قد حوصرت بنور منح نورانية من الله .. لذا، فنراها ابهى في عتمة المحن ..

فقد وهبهت تلك الشقراة الفاتنة، وليد جميل من ذوي الهمم، فانفجرت منهاقدراترحمانيةمضاعفة للعناية ب"خالد"وكرست له حياتها صحوها ومنامها حتى شب وكبر.. وإني لواثقة انها وامثالها من الامهات سيرزقن تقديرًا كوشمًا دهريًا خالدًا مفتوحاً على الأبد، عرفانا بصبرهن .. واذكر من هؤلاء السيدة "كريستين وصفي" الذي قدمت لمصر بطل السباحة للناشئين "ريكاردو".

■ ■ ■

اخبرتني رولين أنها بعدما كبر خالد واشتد عوده، فتحت يومًا الموبايل وصورت سكتش ارتجالي مع زميلة دراسة سابقة

 فانقلبت حياتها، عندما طار الفيديو 

Viral

فقاطعتها

: اعتقد ان الأمر لا علاقة له بفتح الكاميرا، بل لقد فتحت لك أبواب القبول من أعلى نجم في السماء رأسًا، حتى أخمص الأرض في البحر الميت.

و إني لعلى يقين أن موهبة بحجم ما اوتيت "رولين وضاح القاسم" من عطايا ربانية.. لبازغة عن غدٍ قريب ..

فصبرًا "آل قاسم" فإن موعدكم الشهرة.

فاستمسكي بعصا السيلفي وهشى بها على ادعياء الفن وامتطي بساط النجاح.

رولين ..شبيهة كارولين صديقتي الأرمنية وشبيهة كل سيدة مصرية .. لأجلكن كتبت المبدعة عزة رياض:

في الشوارع حلم عاشق للنهار
.شوفته فى عيون طيبين..

 حلم مطحون بالمرار

وأخيرًا لرولين وأيضًا لكارولين .. ولكل من اهدانا ابتسامة وليد طاهرة و لكل من انفق حياته ليعيش سواه ..  أقول:

ما الكون بلا أمهات

ما العيش بلا ذكريات

ما الأرض بلا رفقاء الصبا؟

كونوا بخير.