هيرمس
شايل جيل

كيف يدمر الإعلام الدول؟

 

وسط توقع بوجبة درامية دسمة عبر مسلسلات رمضان، جاء الموقف مخيبًا للآمال. والحقيقة لم يكن هذا رأيي فقط بل رأي كل من أعرفهم من إعلاميين وجمهور عام. ما جعلني أفكر لماذا نسوق للقبح رغم أنه لا تنقصنا كفاءات ولا إمكانيات؟ لماذا نعرض قفشات ومقالب رخيصة خالية من المضمون؟ ولماذا نصدر أعمال مقلدة لا تحمل سوى أفكار مدمرة؟ 

ذكرتني هذه الحالة المحبطة بما كتبه هيربرت شيللر من أكثر من نصف قرن في كتابه ’’المتلاعبون بالعقول‘‘ Mind Managers عن التأثير البالغ للدعاية والتضليل الإعلامي والتحكم في الرأي العام. ودور الإعلام في تزييف الواقع وطمس الحقيقة والتلاعب بعقول الناس. 

وهو نفس ما ناقشه المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي في تلك الوثيقة السرية التي تم العثور عليها بالصدفة عام 1986 تحت عنوان ’’الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة‘‘ (silent weapons  for quiet war). والوثيقة السرية تصف كيف يمكن إفساد المجتمعات والدول في عشر استراتيجيات يمكن تنفيذها من خلال وسائل الإعلام. 

أولها استراتيجية الإلهاء والتسلية، وتعتمد استخدام وسائل الإعلام لإلهاء الناس وتحويل انتباههم عن القضايا الهامة أو القرارات المصيرية التي سيتم اتخاذها. والإلهاء يتم من خلال إغراق الجماهير في الترفيه ومخاطبة الغرائز في شكل أفلام هابطة وتعميم ونشر ثقافة العرى والفجور والألفاظ النابية فيبقى الجمهور مفتونًا مشغولاً ملهيًا بلا قدرة على التفكير بلا معلومة بلا معرفة.  

الاستراتيجية الثانية هي استراتيجية افتعال المشاكل وتقديم الحلول، وفيها يقوم حراس البوابات الإعلامية بالتركيز على مشكلات معينة وتضخيمها وتكرار عرضها مستخدمين الأطر الإعلامية والتعبيرات اللغوية التي تناسب عرض هذه المشاكل حتى يصير الجمهور منزعجًا منها فيطالب بتقديم حلول لها. والغرض من تصدير هذه المشاكل بعينها هو تمرير حلول معينة تخدم اجندات دخيلة تهدف للسيطرة على ثروات الشعوب. 

الاستراتيجية الثالثة هي استراتيجية التدرّج إذ يقوم الإعلام بعرض فكرة معينة بتدرج في فترة زمنية طويلة. فيرسخ مثلاً لأفكار ضد القيم والعادات والتقاليد بالتدريج عبر عمل فني ثم عمل آخر وهكذا. ويقدم مثلاً البلطجي على أنه بطل وبالتدريج تبدأ الشعوب تقبل الفكرة بعد أن تتشبع بها. الاستراتيجية الرابعة هي التأجيل، تأجيل حلول مشاكل معينة، تأجيل قوانين معينة من خلال تجاهلها تمامًا في الإعلام حتى يعتاد الجمهور على البقاء في الوضع الحالي. 

الاستراتيجية الخامسة هي مخاطبة الجمهور على أنّهم أطفال، من خلال تسطيح المحتوى، وتقديم مضمون مفكك لا يحمل فكرة أو هدف يعتمد القفشات التافهة وكأنه يخاطب أطفال سذج. الاستراتيجية السادسة مخاطبة العاطفة بدل العقل، ويتم من خلال إثارة الرغبات والانفعالات والمخاوف وعرض مضامين فجة لإبعاد الناس عن التفكير في المستقبل، واللعب على وتر الدين والانتماء العقائدي لإثارة الفتن. 

الاستراتيجية السابعة هي إغراق الجمهور في الجهل والغباء، من خلال عرض مضمون تافه، والتأكيد على فكرة عدم جدوى التعليم وعدم أهمية الثقافة وتعظيم الفهلوة والإغراق في التركيز على نماذج المحتال والعاطل والبطجي ومتعاطي المخدرات كأنها نماذج عادية.

الاستراتيجية الثامنة هي تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة، من خلال ضخ مضامين فيها تدني أخلاقي وثقافي وتشجع على العنف والسرقة والخيانة والفساد. التاسعة هي تحويل مشاعر التمرد إلى الإحساس بالذنب، من خلال التركيز على رسالة واحدة مفادها أن يرى الشخص نفسه أن هو المسئول عن تعاسته بسبب محدوديته ويتم بلوم وجلد الذات. الاستراتيجية العاشرة هي أن الإعلام يعرف أكثر من الجمهور والجمهور محدود الفهم.

لو طبقت هذه الاستراتيجيات العشر على حالة الإعلام، ستشعر بالخوف على مستقبل هذا الوطن. فما يتم تقديمه يحاول استبدال مكانة مصر من هوليود الشرق التي كانت تصدر الفن للعالم العربي كله إلى مصدر للعري والابتذال. هذه هي الطريقة التي تهدم بها القوة الناعمة الدول. 

رسالتي لكل وطني شريف، لكل من بيده القرار: أوقفوا زحف الأفكار الهدامة والفن الرخيص والترويج للقبح لا تتركونا في مستنقع الإسفاف والجهالة. أنقذوا هوليود الشرق.