هيرمس
شايل جيل

كورونا تقتل الذوق العام في غياب الرؤية الثقافية  

حينما هجمت على المجتمع المصري هوجة (عدوية) ظن الكثيرون أننا قد وصلنا إلى أصعب مراحل الانهيار في الذائقة ، والوجدان ، وإذا عدنا بالذاكرة بطريقة الفلاش باك سوف نرى زمن عدوية أرحم ألف مرة من زمننا ، هذا على مستوى الفن .

سمعنا من جداتنا ، ومن الأفلام القديمة عن فترة العشرينيات ، والثلاثينيات ، حين سادت ثقافة

( الطشت قالي ياحلوة ياللي قومي استحمي ) و ( ياشبشب الهنا ياريتني كنت أنا ) !!!!

لاشك أن ذاك الإسفاف واسع المدى كاتساع فيروس كورونا الآن بدليل بقاء آثاره السامة في ذاكرتنا الجمعية  ، فما الذي يحدث إذن ؟؟؟!!!!

ما الذي يقودنا مغمضي العينين إلى تكرار السقوط في هذه الهوة ؟؟!!!

أتصور أن الإجابة ليست قلة المواهب الغنائية والموسيقية والشعرية بل هو زمن التحولات التي يمر بها أي مجتمع بعد حرب أو ثورة  .

ففي العشرينيات كان العالم خارجا من الحرب العالمية الأولى ، وكانت مصر ــ المستعمرة البريطانية ــ جزءا من الصراع  ، وتكرر ذلك في الحرب العالمية الثانية 1939، وماصحبها من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية طاحنة أثرت على الفن الراقي ، ثم عاد و فرض نفسه مرة أخرى ، وأصبح طبا للقلوب الحزينة بعدة هزيمة 1967 حين خرج الإبداع من رحم الألم ، ومايؤكد أن زمن التحولات ، وانتقال مصر من مرحلة إلى أخرى هو المسؤول عن ظهور الإسفاف والفن الهابط  مانراه من تحول ذائقة الناس من أم كلثوم وعبد الحليم  ومحمد طه ومحمد رشدي وخضرة محمد خضر  إلى أوكا وبيكا وشاكوش !!! وهو نفسه مايحدث الآن بعد ثورة 25يناير ، و30يونيه ، بعد حوالي ثلاثين عاما من الجمود والتقزم إلى قفزات سريعة في الاقتصاد والجيش ، ولم يستطع المجتمع مجاراة هذه القفزات خاصة في غياب الرؤية الثقافية الرسمية، وانهيار  أحوال الثقافة الرسمية ، وسيطرة المتطرفين والفاسدين على قطاعات الثقافة ، في الوقت نفسه اضطراب أمور التعليم ، وتردي أوضاعه فكأن المجتمع مشدود الأطراف ، ويكاد يتمزق ، طرف يجري بسرعة إلى الأمام ، وطرف آخر متصلب في الأرض ، ومغروس في الصخور !!! إلى جانب الاختراق الصهيوني الممتد من أربعين عاما ، بفيروساته للعقول والزراعة والصناعة والتعليم ،وكلما تعافت الدولة وقضت على فيروس من هذه الفيروسات ظهر فيروس أشد خطرا على المجتمع من الفيروسات البيولوجية ، وهو (كورونا الفنية ) القاتل للذوق العام بجراثيمه ، وبثوره التي شوهت جسد المجتمع ، ونشرت السلوكيات المنحرفة لا في الموسيقى ، وأصوات الحمير فقط بل في تدخين الحشيش ، والبانجو ، واحتساء الخمور ، والترويج للعنف داخل الأسرة ، والمدرسة ، والنادي ، فإذا كنا نحتاج إلى تصنيع مصل للكورونا ، فإننا نحتاج إلى تصنيع مصل من حمو وبيكا ، ورمضان ، وشاكوش !!!