هيرمس
شايل جيل

الفهم أسهل من الحفظ

 

كثيرًا ما نُقابل أشخاصًا، تجد بينهم قمة الألفة والمحبة، لدرجة أنك تظن أن تلك العلاقة يستحيل أن تشُوبها شائبة، أو يُعكر صفوها أي شيء في الوجود، ورغم ذلك، نكتشف فجأة أن تلك العلاقة انهارت تمامًا، بالرغم من أنهم لازالوا يحملون لبعضهم البعض مُنتهى الحُب والمودة، وهنا تكمن المشكلة، ولو سألت أحد أطراف تلك العلاقة، تجده يُجيبك بمُنتهى الثقة: "أنا حافظ فُلان أكتر من نفسي، وعارفه زي ما أنا عارف نفسي، ويمكن أكتر"، وهنا تزداد الحيرة، وتزداد أيضًا التساؤلات!! فهل تريدون أن تعرفوا ما سبب تفكك العلاقات، بالرغم من أن أطرافها بالمصطلح واللفظ الدارج "حافظين بعض"؛ السبب أن هناك فارق بين أن تكون عارف شخص وحافظه، وبين أنك تستطيع أن تنجح في التعامل معه، فالطالب يُمكنه أن يحفظ المنهج، ولكنه رغم ذلك يرسب في الامتحان؛ لأنه لم يستطع أن يفهم المنهج، بل اكتفى بحفظه، لذا عندما يأتِ السؤال بأسلوب غير مباشر، يشعر وكأنه من خارج المنهج، فتتبخر كل المعلومات من رأسه.

وهكذا البشر، لابد أن تفهمهم، لا أن تحفظهم، لابد أن تقرأ ما يُسعدهم، وما يُشقيهم، وأن تتفهم طبائعهم في لحظات ضعفهم وقُوتهم، فهنا فقط ستنجح في اجتذابهم إليك، وتستطيع أن تحتفظ بهم في حياتك إلى الأبد، فما قيمة أن تعرف طبيعة الشيء أو الشخص، ولكنك لا تُطبق ذلك على أرض الواقع، فكُلنا نعلم أن الزجاج قابل للكسر، لذا نتعامل معه بحذر؛ حتى لا يسقط وينكسر، وكذلك الإنسان، له طبائع خاصة، علينا أن نتعامل مع تكوينه، بما يلائمه؛ حتى لا ينكسر.

الحقيقة، ما يلفت انتباهي بشدة في هذه الحياة، أننا ننجح في الحفاظ على الأشياء لسنوات، قد تصل إلى أكثر من سنوات عمرنا، ونفشل بامتياز في الحفاظ على معانٍ نبيلة في الحياة، لا تحتاج سوى شيء من التركيز فقط، لكي نثبت نجاحها.

ولو أدركنا أن وُجودنا في حياة بعضنا البعض أهم من أي مكاسب، أو مُكتسبات أخرى، سندع كل شيء من أجل هذا الشيء.

وأخيرًا، حاولوا أن تفهموا بعضكم بعضًا، لا أن تحفظوا طبائع من حولكم، فالفهم يدوم، والحفظ يتسرب من الذاكرة مع الأيام.