هيرمس
شايل جيل

يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة الحلقة (12)

غابة بولونيا

حاول صاحبنا أن يكتشف عاصمة النور على الأقل بالقرب من البناية التي يقطن بها صديقه " محمود " ولكن أول مشكلة واجهته هي وحدة العمارة الفرنسية , بولفار " سوشيه " مثل معظم شوارع باريس 

العريقة في الدائرة السادسة عشر , التطابق في وجهات العمارات , حتى النوافذ التي تطل منها أعناق الزهور , حتى البوابات الحديدية تتطابق مع بعضها تماماً , الشئ المختلف هو التماثيل الموجودة في

الميادين أو تقاطع الشوراع بعضها بالبعض , الشجر الاخضر والزهور على جانبي الطريق , إشارات المرور وخطوط المشاة التي يحترمها الفرنسيون لدرجة أشبه بالتقديس .

صاحبنا كلما تقدم خطوة يحاول أن يرصد معالم الطريق حتى يدرك طريق العودة , ينظر ذات اليمين وذات الشمال ويرصد تمثالاً أو ميداناً .

إنتحى صاحبنا يساراً عند نهاية بولفار " سوشيه " ليجد غابة كثيفة الأشجار والأغصان ...إتجه نحوها وقد بدأت عليه علامات الإجهاد فهو لم ينم الليلة الماضية حينما إستقل سيارة في الليل من الإسكندرية إلى 

مطار القاهرة بصحبة صديقيه " إبراهيم ونبيل " ووالدته ووالده رحمهما الله .

كان يوماً شديد الحرارة في مصر ولم يتوقع صاحبنا إنه أيضاً شديد الحرارة في باريس , كان الشاب يرتدي بدلة صوفية  رومادية اللون مكونة من 3 قطع , بنطلون وجاكت وصديري وكرافتة أطبقت على رقبته . 

كان يتصبب عرقاً من شدة الحر , بينما الفرنسيون ينامون على البساط الأخضر من الحشائش شبه عراة في هدوء لاينظرون لأحد ولا يتلصص عليهم أحد .

بالتأكيد أصبح صاحبنا محط الأنظار , الكل ينظر إليه من أي كوكب أتى إليهم هذا المخلوق ببدلته الصوقية  الثلاثية وكرافته الرصاصية .

فُرجة مجانية لأهل الفرنجة العراة .

تعب صاحبنا من كثرة السير فجلس على مقعد خشبي تحت شجرة ذات ظل ظليل يداعبها هواء عليل , بينما خرير الماء يداعب مسامعه من جدول صبي يفر عبر شلال يتساقط من بحيرة تتوسط الغابة .

غلب النعاس صاحبنا وراح يغط في نوم عميق وكأنه ينام للمرة الأولى في حياته من شدة التعب والإجهاد.

وإستيقظ صاحبنا على ضربة قوية من كرة في رأسه , وجاءه على حياء طفل برئ ذات السنوات الستة يعتذر له لأنه أيقظه من غفوته .

نظر صاحبنا في ساعته .....التي تجاوزت السابعة مساء.

 قال : حسناً أعتقد أن محمود عاد من العمل وقرر الذهاب إليه .

واخذ يسلك الطرق المتعرجة في قلب الغابة , غابات " بولونيا الشهيرة في باريس " تلك الغابة  التي كانت المكان المفضل لأمير الشعراء أحمد شوقي بك حينما كان يدرس في باريس , تلك المعلمات عرفها حينما أستقر به المقام في عاصمة النور ,  تقع  غابة بولونيا في غرب باريس على بعد خطوات غير بعيدة من برج إيفل رمز باريس  ومن جادة الشانزليزيه في باريس

الدائرة السادسة عشر , تبلغ مساحتها حوالي ثمانية نصف كيلومتر مربع وهي أكبرمرتين ونصف من " سنترال بارك " في نيويورك ووأكبر 3و3 مرات من هايد بارك في لندن , تتوسطها بحيرة واسعة 

وسط تلك البحيرة جزيرة صغيرة يمكن الوصول إليها بقوارب خشبية حيث يعلو في منتصف  تلك الجزيرة مطعم ومقهى لعشاق الرومانسية بعيداً عن ضجيج الحياة .

هذا المكان أصبح قِبلة صاحبنا حيث ترافقه أوراقه وأقلامه وأفكاره وأحلامه ليكتب أروع أبحاثه فضلا عن كتابة الأدب والقصص والفكر الثري في حياته , أشجار الصنوبر والسرو تسافر في أعنان السماء , بينما تشدو الطيور 

ألحانها في روعة وجمال , أشجار الغابة متشابهة غير أن هناك علامات للخروج ولكن لأماكن مختلفة .

ولم يدر صاحبنا أي مخرج يقصده للوصول إلى بيت صديقه .

كان عليه أن يسأل أحد المارة الذين أغلبهم يمارسون رياضة الجري أو السير .....بحث عن ظرف الخطاب  الذي أرسله له والذي فيه العنوان فلم يجده ....لقد نساه مع سائق التاكسي الذي أقله 

من المطار إلى العنوان المكتوب .

بدأ يتذكر أول مشاهد شاهدها في الغابة .....نعم ....نعم القوارب الصغيرة التي تصل للكازينو والمطعم في وسط الجزيرة .

وجد عجوز تمارس رياضة الجري سألها عن مكان القوراب فقالت له عبارة طويلة لم يفهم منها شئ , أدركت العجوز أن جملتها لم تساعد الشاب فسارت معه إلى مكان القوارب , في الطريق

تحدثت معه عن بلده وبالطبع من خلال بدلته ومظهره  أدركت انه أجنبي من بلاد الشرق , حدّثها عن مصر التي كانت تعرفها أكثر منه من خلال المكتبة الفرنسية الزاخرة بالكتب التاريخية العظيمة التي لم 

يجدها في بلاده .

أدركت العجوز أن صاحبنا فقد العنوان ولابد من مساعدته , حاول ان يتذكر الميدان الذي مرّ به والذي يتوسطه تمثال من البرونز لقائد فرنسي كبير ولكنه لم يعرف أسمه , صاحبته  السيدة للميدان

والتمثال , وقف صاحبنا أمام التمثال ونظر عن يمينه ويساره وأدرك عليه أن يسير من تلك الناحية التي تنتهي بفندق مرتفع هو فندق " الكونكورد " الذي عرف الطريق إليه للقاء الأصدقاء وبالطبع

من الاثرياء .....سارت السيدة معه في نفس الاتجاه , لمح صاحبنا إسم الشارع على يمين الطريق " بولفار سوشيه " تذكر هذا الاسم فقال للسيدة حسناً نحن أمام البيت .

أخرجت السيدة من حقيبتها مفتاحاً ووضعته في باب العمارة الحديدي , وقابلهما البيه البواب الذي قدمه لها قائلاً :
هذا صديق من مصر جاء ظهر اليوم للسيد محمود , بينما إلتفت لصاحبنا قائلاً :
أقدم لك زوجتي......!!
ماذا حدث .....؟ تابعونا في الحلقة القادمة حصريا هنا .