هيرمس
شايل جيل

طريق الحرير الافريقي

تواردت انباء عن اتفاق عدد من دول حوض النيل مع مصر برعاية  المبادرة الرئاسية لتنمية البنية التحتية بالنيباد (مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية القارة السمراء) علي الشروع في انشاء مشروع يربط بين بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط  ويمثل هذا المشروع حلما كبيرا ذو فوائد سياسية واقتصادية واستراتيجية هامة جدا لمصر اولها انه سيعود بمصر الي احضان قارة افريقيا بشكل فعلي بعد فراق طويل كما انه سيعزز التعاون علي كافة الاصعدة بين دول حوض النيل وخصوصا بين الدول الاربع التي سيمر المشروع خلال اراضيها وهي مصر والسودان وجنوب السودان واوغندا وهو امر تحتاجه مصر بشدة لان امتلاك مصر المزيد من الكروت الاستراتيجية والاقتصادية مع دول حوض النيل سيقوى موقف المفاوض المصرى في مفاوضات سد النهضة مع اثيوبيا ويفرض عليها المزيد من الضغوط لتبني مواقف اقل تشددا فيما يخص نقاط الخلاف مع مصر حول السد
 

وإضافة لذلك سيجعل هذا المشروع من مصر الرئة التي تتنفس منها صادرات وواردات دول حوض النيل الحبيسة التي لا تمتلك واجهات بحرية علي البحار او المحيطات وهي (جنوب السودان ورواندا وبوروندى وأوغندا) علما ان بعض هذه الدول اصبحت تحقق معدلات نمو عالية مثل رواندا التي تلقب حاليا بسنغافورة افريقيا لانها تحقق اعلي معدل نمو مضطرد في العالم منذ عام 2005 وحتي الان بشكل متواصل 

كما ان هذا المشروع الاستراتيجي الطموح سيربط قلب افريقيا بالبحر المتوسط مختصرا الاف الكيلومترات بوسيلة نقل رخيصة و فعالة وسريعة ومتاحة وسيمكن صادرات دول افريقيا من الوصول للموانىء الاوربية والامريكية بسهولة كبيرة  بل يمكن لهذا المشروع في مراحل لاحقة ان يتوسع لربط المزيد من الانهار الداخلية الافريقية بالمشروع وصولا الي اقصي جنوب القارة في كيب تاون  وهو ما سيؤدى لربط أفريقيا ببعضها  مما سينعش اقتصاد القارة بالكامل وسيجعل اقتصاد دولها يتكامل لان النقل النهرى له ميزة استراتيجية واقتصادية كبيرة هي سهولة النقل ورخص الاسعار بالاضافة لقدرته علي نقل كميات ضخمة من البضائع مقارنة بوسائل النقل الاخرى

ايضا دراسات المشروع تتضمن إنشاء ممرات تنمية مرافقة تشمل مجارى نهرية وسكك حديدية وطرق برية وشبكات للانترنت ومراكز لوجيستية وتنمية تجارية وسياحية وهو ما سيجعل من هذا المشروع طريق حرير افريقي شبيه بمشروع طريق الحرير الصيني الذى تجند له الصين طاقات اقتصادية وسياسية وديبلوماسية هائلة من اجل تنفيذه كما ان مشروعا بهذا الحجم سيساهم قطعا في نمو هائل للموانىء المصرية علي البحر المتوسط واتمني مسقبلا ان يتم توسعة هذا المشروع ليس فقط ليمر عبر الاسكندرية كما هو مخطط له حاليا وانما ليمر ايضا شرقا بإتجاة الاسماعليلية ليتم ربطه بسهولة بقناة السويس وخصوصا ان هناك عرض كانت قد تقدمت به شركة يابانية لمصر في اواخر عام 2018 لإعادة إحياء خط القاهرة الإسماعيلية الملاحى بداية من ترعة الإسماعيلية بمحافظة القاهرة حتى بحيرة التمساح فى الإسماعيلية

كما ان مثل هذا الشريان التجارى الحيوى سيمنح الصادرات المصرية فرصة ذهبية للنفاذ الي الاسواق الافريقية الواعدة وسيمد مصر من ناحية اخرى بالكثير من المواد الخام القادمة من دول افريقيا بأسعار تنافسية بسبب إنخفاض تكاليف النقل النهرى

سيمثل هذا المشروع الواعد كذلك فرصة ذهبية لاعادة احياء قناة جونجلي و هي قناة تم الاتفاق علي شقها عام 1974 بين مصر والسودان وفكرتها تقوم على شق قناة بطول 360 كم بين مدينتي بور وملكال في الجنوب السوداني وكان المخطط أن تؤدي هذه القناة إلى زيادة إيرادات مصر من المياه بـ2 مليار متر مكعب من المياه التي تضيع في المستنقعات كما ستؤدى لتجفيف مليون ونصف المليون فدان من أراضي المستنقعات الصالحة للزراعة في السودان ولكن المشروع توقف بعد ان تم حفر 260 كيلومتر من القناة بواسطة شركة فرنسية نتيجة نشوب الحرب الاهلية في السودان بين الشمال والجنوب عام 1983

وفي النهاية من المؤكد ان الطريق لتنفيذ مثل هذا المشروع الجبار لن يكون مفروشا بالورود ومن المؤكد ايضا انه سيواجة مصاعب  كبيرة اولها ضخامة حجم التكلفة التي ستبلغ 12 مليار دولار وثانيها ضرورة الاسراع في تطوير البنية التحتية للنقل النهرى المصري في اسرع وقت لتكون قادرة علي استيعاب المشروع وثالثها ضرورة استمرار الزخم السياسي والديبلوماسي المتواصل والمضطرد من اجل مواجهة اى ضغوط سياسية من اطراف معادية تهدف لعرقلة  خروج المشروع الي النور بأسرع ما يمكن ليجلب نهر النيل الخالد لنا ولقارتنا السمراء السلام والرخاء والازدهار والاخوة بين الشعوب الافريقية كما كان دائما منذ فجر التاريخ