هيرمس
شايل جيل

للبناء والتقدم

مصر ودراسات المستقبل «8»

كان ابن خلدون واعياً ومهتماً بمستقبل الأمة فى تأسيس علم الاجتماع العمرانى فهو القائل الحكيم فى مقدمته الشهيرة عن استشراف المستقبل: «.. فانظر فى عواقب ما أردت من ذلك، فإن رأيت السلامة والعاقبة ورجوت فيه أحسن الدفاع والصنع فامضه، وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلم به ثم خذ فيه عدته.. وباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة».

وفى عصرنا الحالى يقول لنا عالم الاجتماع الدكتور عبدالباسط عبدالمعطى فى دراسته «الدراسات المستقبلية المتطلبات والجدوى العلمية والمجتمعية» إن الغرب المتقدم يرصد الميزانيات الضخمة للدراسات المستقبلية فى العلوم الطبيعية والإنسانية على السواء معاً استجابة وتقديراً لفوائدها العظيمة وأهميتها القصوى الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تجنب وقوع المشكلات والاستعداد لمجابهتها وحلها قبل تفاقمها.

أما نحن ــ فمن الأسف ــ نجد ندرة الدراسات عن مستقبلنا التى يقوم بها علماؤنا ولم نكن على وعى كاف أننا عندما نلجأ إلى الدراسات المستقبلية الغربية ونأخذ بها بما لا يناسبنا فقد وقعنا فى حبائل التبعية العلمية والفكرية لسموم الغرب لقتل مستقبلنا!!

ويذكرنا د.عبدالباسط عبدالمعطى عن التطور المستمر المتدفق للدراسات المستقبلية التى أحرزت إنجازات علمية وتطبيقية وقد ارتبط هذا التنامى المطرد للمؤسسات البحثية والجمعيات والدوريات العلمية والميزانيات الكبيرة التى خصصت لها. وقد زاد من أهميتها ومصداقيتها اعتماد كثير من رؤساء الدول على نتائج هذه الدراسات فقد اعتمد الرئيسان الأمريكيان «رونالد ريجان» ثم «جورج بوش» على عدة تقارير استندت إلى نتائج هذه الدراسات عند اتخاذ قرارات مهمة متعلقة بالسياستين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الاستراتيجية حيث قدمت مؤسسة راند «Raand» الأمريكية دراسات وتوقعات متصورة مع خصوم الولايات المتحدة وفى مقدمتهم الاتحاد السوفيتى (السابق) وترتب على نتائجها اتخاذ قرارات مهمة بشأن تصنيع السلاح ونشاط الاستخبارات وتقديم أفكار باحتياجات تقنية متطورة فى مجالات الدفاع والردع العسكريين وتغيير خرائط القواعد العسكرية الأمريكية كما أنجزت المؤسسة الدولية للدراسات المستقبلية بولاية «فرجينيا» الأمريكية عام 1976 بحثاً حول «مستقبل الأوضاع المجتمعية فى إيران بدراسة (3500) عامل ومتغير واتجاه وكان من أهم تلك العوامل والمتغيرات فى إيران زيادة معدل التضخم وحالة الفوارق الضخمة فى الدخول بين الشرائح الاجتماعية نتج عنها الفساد وتعقد مشكلة الإسكان وتفاقمها وانتشار البطالة بين الشباب الإيرانى وفى ضوء هذه العوامل والمتغيرات تم تصور وتوقع حدوث اضطرابات وهبات فى إيران من شأنها التأثير فى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الشركات الخاصة فيها فكانت الشركات التى أخذت بهذه الدراسات وبنتائجها قد استطاعت عدم خسارتها أما التى لم تأخذ بتلك النصائح فقد خسرت المليارات .

* الاعتماد على ثقافتنا وعلينا توظيف قيمنا الأصيلة فى وضع القواعد والأسس لاستشراف المستقبل.

* ضرورة التعاون والتكامل بين التخصصات العلمية (الطبيعية والإنسانية) فى تنشئة الوعى العلمى بالدراسات المستقبلية وترسيخ أسس التعاون العلمى بين التخصصات العلمية المختلفة.