هيرمس
شايل جيل

عبد النبي الشحات

رئيس تحرير بوابة "الجمهورية أون لاين"

دبابيس

خريطة العالم مابعد كورونا

   

•      كل الشواهد تؤكد أننا أصبحنا أمام خريطة جديدة للعالم ما بعد كورونا، فلن يعود المشهد كما كان ويمكن القول إن هناك معايير جديدة لتصنيف الأنظمة السياسية بعدما تسببت الأزمة الأخيرة في هزة كبيرة داخل أوساط العالم، وطرحت سؤالا غاية في الأهمية حول العلاقة بين طبيعة الأنظمة السياسية وكفاءة إدارة هذه النوعية من الأزمات. يعني ببساطه شديدة دون الدخول في تحليلات عميقة ان النظام الشيوعي بالصين مثلا نجح ببراعة شديدة في السيطرة علي الوباء بفرض التعليمات الصارمه بمنع الاختلاط بين المواطنين، واتخاذ إجراءات غاية في الحسم والحزم معا للسيطرة على الوباء، بينما في أمريكا وبعض الدول الغربية المتقدمة ديمقراطيا حدث نوع من الاستهتار بالتعليمات نتيجة الحرية فجاءت النتائج كارثية، واحتلت أمريكا سيدة العالم صدارة المشهد في أعداد المصابين بالفيروس ومعها إيطاليا وإسبانيا اللتين شهدتا أحداثا مأساوية وصلت لمرحلة الانهيار في بعض الأماكن، وكل هذه الأمور لاشك من شأنها أن تفتح بابا للجدل والحوار فيما بعد حول مركزية قضية الديمقراطية وانهيار الانظمة الصحية بهذه الدول المتقدمة بالإضافة إلى علاقات الشعوب بالحكومات والدول بالدول بل وبين الأفراد و بعضهم البعض لتصبح الوطنية هي حماية المجتمع ورعاية الصحة والنجاح في مواجهة كورونا حيث سيعزز هذه الموقف من بعض الحكومات وسيهدد بفشل حكومات أخري.

 

•      المؤكد ان الفشل الأمريكي في قيادة العالم لمواجهة "كوفيد19" ومعه بعض الدول الغربية سوف يلقي بظلاله علي العلاقات الدولية مستقبلا، وسوف يزداد التكتل الاوروبي ضعفا بعد حالة الركود الاقتصادي العالمي التي يشهدها العالم حاليا والتي تفوق الأزمة المالية العالمية التي حدثت بين عامي 2008و2009 ، وبالتالي سوف يصبح العالم أقل انفتاحا وازدهارا وهو ما قد يزيد من حالات التوتر بين هذه الدول وبعضها البعض.

 

•      بالمناسبة كل الخبراء والمتخصصين أكدوا ان أسلوب الحياة في العالم ما بعد كورونا سوف يتغير أيضا، لأن الناس سوف تميل للانعزال والتباعد قدر المستطاع بهدف حماية أنفسهم وأسرهم وسوف يستمر هذا الأمر لفترة نتيجة حالة الهلع والرعب التي أصابت الجميع جراء هذه الأزمة غير المسبوقة، والتي لا نعلم حتي الآن متى ستختفي ... لكن بشكل أو بآخر طال الزمن أم قصر سوف تنتهي ازمة وباء كورونا، لكن تداعياتها سوف تستمر فترة من الزمن فقد نرى وجوها تظهر واخرى تختفي وصراعات تهدأ واخرى تشتعل وتكتلات تنهار وأخرى تقوى ليتغير شكل العالم.

 

•      لقد وضع فيروس كورنا وفقا لتقارير الإعلام الغربي آخر مسمار في نعش الاتحاد الأوروبي، بعد فشل فكرة الاتحاد نفسها في مواجهة الفيرس وتعامل كل دولة داخل الاتحاد بمنطق انا ومن بعدي الطوفان، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض الشعوب الغربية التي تفاقمت لديها الازمة حتى وصل الامر إلى حد قيام بعض مواطني إيطاليا بإنزال علم الاتحاد الأوروبي من امام أحد المقرات ووضع علم الصين مكانه في إشارة إلى المساعدات التي قدمتها الصين لبلادهم في الوقت الذي تخلت فيه دول أوروبية صديقة عنهم في مشهد بالغ القسوة والغلظة لتعري كورونا العالم الغربي ليس فقط سياسيا ولا اقتصاديا ولا علميا وانما إنسانيا.

 

•      لقد روج الإعلام الغربي في صورة بشعه للغاية عن الصين مع بداية ظهور الفيروس بل وذهب ترامب نفسه إلى إطلاق اسم الصين على كورونا وكانه يلقي باللوم عليها، وكأن الفيروس يحمل جواز سفر صينيا وظن البعض ان الصين في طريقها للانهيار، فإذ بها تفاجئ العالم بالسيطرة علي الوباء وتحتل أمريكا الصادرة في أعداد المصابين ومن بعدها الدول الغربية لتتغير بعدها لهجة الجميع بعد ان فشلت الانظمة الصحية العالمية في مواجهة الوباء ليعطي الفيروس الصغير درسا للبشرية ليعرفوا انهم ليسوا بالقوة التي تخيلوها، وليتأكد للكافة ان الدول الناجية هي فقط القادرة على حشد طاقاتها بروح الجماعة التي تتماسك اياديها في مواجهة هذا الوباء اللعين، وهنا يجب ان ننحني تقديرا واحتراما لجيش مصر الأبيض ولكل العاملين في الحقل الصحي في مصر ولكل المتطوعين الذين خرجوا لتعقيم وتطهير الشوارع طواعية، وتحية ايضا لكل المبادرات الإنسانية في تحدي الخير ورعاية الاسر المتضررة وهذا هو الفارق بيننا وبينهم.

 

•      ان ما اتخذته الحكومة المصرية من قرارات للإصلاح الاقتصادي في وقت سابق برغم كل التحديات يكشف لنا الآن وعي القيادة السياسية ولولا ذلك لواجهنا صعوبات بالغة نتيجة التأثيرات السلبية لهذه الأزمة علي اقتصاديات العالم بأسره في كافة القطاعات لكن مصر نجحت باقتدار في اتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف آثار الأزمة علي المواطنين عبر سلسلة من القرارات التاريخية لحماية قطاعات السياحة والصناعة والنقل الجوي والبحري والتجارة، مع رصد 100مليار جنيه لتوفير الرعاية الصحية اللازمة في مواجهة هذا الفيروس اللعين ولولا الاصلاحات الاقتصادية ماكنا لنصمد أمام هذه الازمة ورغم ذلك لم نسلم كالعادة من ترويج الشائعات والاكاذيب من قبل الكارهين والحاقدين الذين يضمرون لنا الشر ويحاولون استغلال الأزمة بتسييسها أحيانا وتديينها أحيانا اخرى في محاولة لضرب الجبهة الداخلية وزعزعة ثقة الشعب في قيادته الرشيدة التي تعاملت بحرفية عالية منذ اليوم الاول لظهور المرض، ولولا الإجراءات الاستباقية والاحترازية التي اتخذتها لكنا الان في منطقة أخرى ... حمي الله مصر وشعبها.