هيرمس
شايل جيل

بالحسنى

آفة الآفات

   الجهل هو آفة الآفات ،ويصبح خطر هذا الجهل أشد إذا لم يدرك الجاهل جهله وقام يعلّم الناس من علمه الذي يتوهمه ، فإذا استغلت جهة ما لها أهدافها هذا الجاهل وطوعته لما تريد كان الخطر كارثيا مثلما نرى ونعايش من آفات الإرهاب لأن مثل هذه الجهات تكون على وعي تام بما تريد، وتقوم بإعداد رجاله  عن دراسة متأنية تنفق عليها بسخاء وتختار لذلك النابهين وتبذل لهم ما يغريهم بالتمادي وتضع نصب أعينهم ما يخوفهم إذا ما فكر أحدهم في الرجوع عما سار فيه.

   هذه الجهات تعمد إلى أنصاف المتعلمين والجهلاء الذين رأوا في أنفسهم دعاة للدين فتعينهم على الانتشار سواء أكان ذلك بدون علم الجهلاء أو بعلمهم وتعمد الى المتخصصين العارفين فتعمل بكل وسيلة على تقزيمهم وإعاقة طريقهم وتقزيم مؤسساتهم العلمية وتسفيهها في نظر الناس  ولا بأس إن وجدت في بعضهم ضعف فى نفسه فتضمه اليها لأن تأثيره يكون أقوى من خلال تقديمة باعتباره من أهل التخصص.

   أقول هذا وأنا اتأمل بحث للدكتور محمد إبراهيم الحفناي إستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا تحت عنوان "التطرف ..التشخيص والعلاج" فيركز على قضية مهمة وخطيرة وهي اجتزاء النصوص من سياقها والتعامل مع الحديث النبوي بعيدًا عن الظروف التي قيلت فيه فيبدوا رغم صحته غريبا عن قواعد الاسلام الكلية وعن الواقع التاريخي الذي حدث وعن سلوك النبي وصحابته الذي سجله الرواه وشهد به الأعداء قبل الأصدقاء .

  من هذه الحديث الذي يستدل عليه البعض جهلًا أو قصدا على ان الاسلام انتشر بالسيف وأنه يدعو المسلمين إلى إرغام الناس على الإسلام ونص الحديث :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" .
  فالذين يهاجمون الاسلام وكذلك الدواعش أنصاف المتعلمين والدواعش التابعون لأجهزة لها مصالحها يتعاملون مع الحديث بعيدا عن ملابساته وكذلك بعيدا عن معناه اللغوي الذي يتمثل في كلمة" الناس" .

  أما ظروف الحديث فقد جاء في معرض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين آذوه هو وأصحابه وعذبوهم وطردوهم وسلبوهم أموالهم وبيوتهم وقتلوا منهم وتعقبوا الرسول والصحابه ليقتلوهم بل ذهبوا إليهم في المدينه وتحالفوا مع اليهود وغيرهم من أجل ذلك .

  وبالتالي فقد كانت كلمة الناس تشير إلى أناس محددين معروفين للسامع وبالتالي لاتنصرف إلى العموم .

  ويؤكد الدكتور الحفناوي ما يقول فيستعرض معنى أداة التعريف" ال" عندما تكون كما يسميها النحاة "ال العهدية" وال  العهدية عندما تدخل على كلمة نكرة تجعلها تشير الى كائن محدد يعرفه السامع ويستخدمها المتحدث بناء على هذه المعرفة المتفق عليها مثلما في قوله تعالى: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" فيستحيل أن يكون الناس فى أول الآية هم الناس في أخرها، لكن لأن من قال هو نعيم بن مسعود الأشجعي معروف وقد طلب منه ابو سفيان عندما ترك منطقة أحد بعد المعركة وخوفه أن يتعقبه المسلمون ـ أن يقول للمسلمين إذا مروا به إن الناس يقصد المشركين قد أعدوا لكم مقاتلين كثر. وبالتالى فاستخدام كلمة الناس لا تعنى كل الناس وإنما أناس محددين معروفين كذلك قوله تعالى: فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة " فليس كل الناس يدخل النار وإنما التعريف هنا يشير الى أناس محددي يعرفهم المتلقي وهم غير المؤمنين.

من هنا فالحديث لا يعنى قتال كل الناس وإلا تعارض مع النصوص الصريحة فى القرآن الكريم.