هيرمس
شايل جيل

بالحسنى

إقبال والشعر


الشعر عند الفيلسوف محمد إقبال كان وسيلته للوصول إلى الناس ووسيلته في التخفيف من آلام نفسه التى تعاني مما تراه من حال وصلت إليه أمته ،بل كان وسيلته في الإعلان عن حيرته الشديدة أمام أمة توفرت لها أسباب الرقي فارتقت .ورغم ملكها لنفس الأسباب الي ارتقت بها إلا أنها انكفأت وداستها الأمم ولا تستطيع أن ترفع رأسها من هذه الكبوة رغم محاولاتها التي لا تتوقف.

  أما أن الشعر وسيلته في التواصل مع الناس فلأن الشعر هو الأبقى فى الاذهان ويسهل حفظه  والأكثر تأثيرً، والألصق بنفوسهم ،ولم يكن محمد إقبال في مسلكه هذا جديدًا فقد لجأ إليه السابقون عليه من كبار العلماء والمفكرين بل والساسه فى توصيل رسائلهم ،وفى بث ما يريدون بثه من أفكار على أنه مسلمات صحيحة لا اختلاف عليها من خلال أبيات محكمة السياق مركزة المعنى قوية العبارة ، لذا وجدنا الشعر مستخدمًا فى كل العلوم يحمل أفكارها ومعانيها وقواعدها فى الفلسفة والطب والميراث والنحو والصرف والبلاغة وقد استغلته الفرق الفكرية فى التاريخ الإسلامى فى نشر أفكارها والانتصار فى صراعها الفلسفي فنجد ابن عربي يكتب أغلب فكره الصوفي كله شعرًا رقيقا سلسا  حقق ذيوعا فى العالم الإسلامي كله ـ مع الأخذ فى الاعتبار أن اللغة العربية كانت لغة عالمية لا يوصف بالعلم من لم يتعلمها ويكتب بها فى مشارق الارض ومغاربها . كذلك نجد جلال الدين الرومي فى "المثنوي" يعتمد على الشعر فى ثورته الروحية على أصحاب الفلسفات المادية التى شاعت رافعة راية العقل وحده متنكرة للروح وما لها من عطاءات وتجليات وما لها من طرق فى الوصول إلى الصواب دون التنكر للعقل.

ولم يكن الأمر حكرا على الفكر الإسلامي وإنما نجده فى الأمم الاخرى كاليونانيين والفرس .

يقول إقبال في رسالته إلى سراج الدين بال التي أرسلها إليه عام 1916م كما ينقلها الدكتور عبد الوهاب عزام فى كتابه "محمد إقبال" :ومما زاد الأمر سوءًا أن الصوفية من أصحاب وحدة الوجود اتخذوا الشعر وسيلة لنشر مذهبهم بين العامة فكانوا أشد خطرا وأكثر تأثيرا حتى أشاعوا بدقائقهم هذه المسألة بين العامة فسلبوا الأمة الرغبة في العمل" يقصد فكرة الزهد الخاطئة التى تعني التخلى عن كل شىء من أمور الدنيا حبا فى الله وإخلاصا له يقربهم الى الله الى درجة الإتحاد به . أي أنهم يتركون صناعة الحياة وتعميرها الذى هو أمر سماوي وهدف من الخلق وعبادة مأمورين بهاـ يتركون كل هذا للآخرين باعتبار ذلك إماتة للنفس الأماراة ولشهواتها الدينوية  

  ولأنه أدرك قيمة الشعر ورأى أثره فى نقل أفكار من سبقوه ـ كما يبدو من رسالته ـ حرص على استخدامه وسيلة رئيسة فى إرسال رسائله الى الناس كافة والى الامة الاسلامية خاصة.

ويشير الى ذلك فى مواطن كثيرة مؤكدة على أهمية الشعر وخطره فيقول:

الشعر فيه من الحياة رسالة
أبدية لا تقبل التبديلا
إن كان من جبريل فيه نغمة
أو كان فيه صور إسرافيلا.

أما وسيلته فى التخفيف عن آلامه الكبيرة وهو يرى أمته التى هى خير أمة أخرجت للناس ترسف فى أغلال الاستعمار وترسف فى الجهل بما عندها من وسائل النهضة وتصغي لأعدائها فيما لا يمكن أن يمنحها فيه أعداؤها رؤية صواب، وتسير فى ركاب أعدائها ولديها طريق واضح ومنهج قويم لا تحتاج الى غيره. من هنا كان كان الشعر سلواه ووسيلة شكايته الى خالقه وأكف ضراعته فنجده يقول بترجمة الصاوي شعلان:

 ياليت قومي يسمعون شكاية
هي في ضميري صرخة الوجدان
اسمعهمو يارب ما ألهمتنى
وأعد إليهم يقظة الإيمان 

فإذا أدركنا أنه كان شاعرًا عظيما مطبوعا على القول يمتلك ناصية لغته وموسيقاه ويدرك هذه الحقيقة عن نفسه فضلا عن معرفته بأثر الشعر، كل هذا يجعله متمسكا بهذا الفن العظيم ـ الذي لا يتوفر للكثيرين ـ فى نشر أفكاره وفلسفته