هيرمس
شايل جيل

بدون رتوش

زيارة لمكتبة فاروق

 

على الرغم من وفاة الإذاعية نادية صالح قبل عام وشهرين , إلا أن إذاعة البرنامج العام مازالت تذيع حلقات برنامجها ( زيارة لمكتبة فلان ) فى سهرة يوم الثلاثاء أسبوعيا ,  لأن البرنامج كما يقول الإذاعى الشاعر عزت سعد الدين مدير إدارة البرامج الأدبية كان يقدم للمستمعين لقاءات مع شخصيات مهمة ذات أثر فى المجتمع كل فى مجاله فيتحدث كل منهم عن مشوار حياته ثم من خلال الحديث عن الكتب التى تضمها مكتبته يعرف المستمع ما اهتم به من علوم أو فنون وآرائه فى مختلف القضايا بالمجتمع  ..

 والحديث مع هذه  الشخصيات كانت تبدأه نادية بالسؤال عن طفولة ضيفها ,  لأنها فى رأيى هى أساس بناء الإنسان ونشأته بعد ذلك على ما رأى وسمع فيها من والديه , والقيم التى تربى عليها وهى المؤثرة بلا شك فى مستقبله وطريقه الذى سيتخذه فى الحياة حين يكبر ويصبح مسئولا فى أى موقع ..

وفى يوم الثلاثاء الماضى كانت السهرة من مكتبة الإعلامى الكبير الشاعر فاروق شوشة رئيس الإذاعة الأسبق والأمين العام لمجمع اللغة العربية وصاحب برنامج ( لغتنا الجميلة ) الذى ظل يقدمه طوال أربعين عاما والذى أصدر بعض من حلقاته الأولى فى كتاب حمل نفس العنوان ,  وكانت الإذاعية الراحلة قد أذاعتها بعد عدة أشهر من وفاته لإنها ختمت الحلقة بقولها ( أهلا فاروق شوشة الغائب الحاضر دائما ) ..

فى حديثه عن طفولته قال الشاعر الراحل أنه كان الإبن الأكبر بين أشقائه  , وقد لفتت مكتبة والده الكبيره إنتباهه حين كان فى سن التاسعة فدخلها فى أحد الأيام دون أن تعرف والدته وظل طوال النهار بداخلها طارحا الكتب النفيسة فى أرض الغرفة مستلقيا على بطنه ليقرأ فيها حتى أنه نسى الجوع وموعد عودة والده (المعلم ) من المدرسة فى الرابعة عصرا واجتماعهم على مائدة الطعام ..  

لما رجع الوالد إلى البيت سأل عن فاروق ,  فأجابته زوجته أنها لم تره منذ الصباح وربما يكون خارج البيت عند أشجار الزيتون ,  فبحث عنه فى كل أرجاء البيت دون جدوى , ولما فتح غرفة مكتبه وجده مستلقيا فوق الأرض على بطنه وظهره أمام الباب وحوله الكتب ومستغرقا فى قراءتها حتى أنه لم يشعر بدخوله عليه الحجرة  ..  

أغلق الأب الباب وطمأن زوجته أنه قد عثر عليه ثم انتظر خروجه منها ليحاسبه على ما اقترفت يداه ,  فقد كانت هذه الغرفة مقدسة عنده ولا يسمح لأحد بدخولها حتى لا ينكشف أمره , لأنه كان يحتفظ فى أحد الكتب بقصائد غزل ورسائل إعجاب كتبها لتلميذته ولم يرسلها لها بل عرفت بها بعد زواجه منها  , وكان يخاف من أن يكون فاروق قد عثر عليها وقرأها وعرف سره , ولكن فاروق عرف بها من والدته بعد ذلك ..

شعر الطفل فاروق أنه قد إرتكب ذنب كبير ولابد أن والده سيعاقبه  , لكن أبيه سأله عما قرأ فأخبره إنه قرأ فى دواوين الشوقيات والبارودى ومترجمات المنفلوطى ومجموعة النثر والنظم  , فاطمأن الأب وسمح له بدخولها بشروط أن يحافظ على الكتب ويعيد كل منها إلى مكانه ولا يمزقها أو يلهو بها , وقد حافظ فاروق على الكتب ولما ورثها بعد وفاة والده كانت هى النواة الأولى لمكتبته التى ضاقت بها حجرات بيته فخصص لها شقة مستقلة لا يدخلها سواه ولا يعير كتبها لأحد لأنه مر بتجارب سابقة مع فقد العديد من النادر منها مما أعاره لمن طلبوها ولم يعيدوها إليه .. 

فى القاهرة إلتحق فاروق بكلية دار العلوم وعرف الطريق إلى مكتبة دار الكتب فى باب الخلق وفروعها العامة فى أحياء القاهرة خاصة فرع المنيرة المجاور للكلية ,  كما أمدته مكتبة الكلية وجامعة القاهرة بما كان يحتاجه للإطلاع عليه من كتب ومراجع فى مختلف فروع المعرفة , وفى حديثه مع نادية صالح أكد الشاعر الراحل أن القراءة عادة وكل ( فلان ) ممن التقت بهم فى برنامجها لم يصبح فى مكانته إلا لأنه وجد خلال طفولته فى بيته ما يقرأه سواء مجلة أو كتاب ,  وأوضح أن الأسر كانت تخصص ضمن جهاز العروس مكتبة صغيرة للكتب والمجلات وكتب الأطفال ليتعود الطفل على القراءة ..  

ولما سألته نادية عن علاقته بالإنترنت وهل هو من مستخدميها قال فاروق : " أنا بعيد عن الإنترنت وعلاقتى بالكتاب لأنه هو الأصل  , كما إن مادة معلومات الإنترنت جمعت من الكتب وحين نستخدمها ونطبعها فى ورق فهى تعود إلى أصلها , إذن فالكتاب هو السابق ثم اللاحق "..

وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية .

 

[email protected]