هيرمس
شايل جيل

شهادة

الردح السياسى على الطريقة الأمريكية


الردح هو التعبير الشعبى عن تبادل الشتائم والاتهامات والتعريض بين النساء فى الحارة المصرية القديمة ، عندما كان لدى نساء الحارة من فراغ الوقت مايسمح لهن بتحصيل قدر  من فنون الكلام القبيح المرصوص يستخدمنه فى المشاجرات ، وقد اختفت هذه الظاهرة السلبية من حاراتنا أو كادت ، لكنها ظهرت للأسف فى أجواء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية ، ليس فقط بين المتنافسين الرئيسيين ـ دونالد ترامب وجو بايدن ـ  وإنما أيضا بين الأقطاب المؤثرين فى الحزبين الكبيرين ، الجمهورى والديمقراطى.
لم تكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل اليوم بريئة من الممارسات غير الأخلاقية بين المرشحين وأنصارهم ، خاصة فيما يتعلق بتبادل الاتهامات وتصيد الأخطاء ، لكن مايحدث فى الانتخابات الحالية تجاوز كل الحدود ، وانتقل من المكايدات السياسية إلى الردح السياسى البذيء ، المنفلت من أية ضوابط أو قواعد أومواثيق تفرضها المنافسة الديمقراطية.
وبدلا من أن تقدم أمريكا للعالم نموذجا راقيا  فى أهم معركة انتخابية يجب أن تقوم على المناظرة والمبارزة بالأفكاروالمبادرات والبرامج ، صارت تقدم وصلات للردح والشتائم الصريحة من خلال التصريحات والتغريدات الأليكترونية والحوارات الصحفية والتليفزيونية والمؤتمرات الانتخابية ، وأيضا من خلال الكتب التى تصدر خصيصا لتكشف سوءات المرشح وتجرح فيه ، كل ذلك جعل الممارسة الديمقراطية فى أمريكا تهبط إلى مستوى المشاجرات السياسية العشوائية فى دول العالم الثالث. 
لايتسع الوقت ولا تتسع المساحة هنا للبحث فى أسباب هذا التحول الذى رجع بأمريكا كثيرا للوراء ، وسيكون من الاختصار المخل أن نكتفى بالقول ـ كما يؤكد كثيرون ـ أن خطاب الكراهية والعنصرية الذى أشاعه ترامب منذ أن ظهر على المسرح السياسى قد أجج هذه الظاهرة السلبية ، وجعلها مقبولة شعبيا ، وورط فيها أنصاره وخصومه على حد سواء.
لايكف ترامب عن الهجوم الشرس  ضد منافسه جو بايدن ونانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب " الديمقراطية " وكامالا هاريس السمراء المرشحة لمنصب نائب الرئيس مع بايدن ، وقالت صحيفة " جارديان " البريطانية إن مهاجمة النساء الديمقراطيات البارزات أصبح موضوعا رئيسيا فى حملة ترامب الانتخابية ، واتسعت هجماته لتشمل الحزب الديمقراطى المنافس كله ، حيث يصر على وصفه بأنه مجموعة من اليساريين الأغبياء.
لا يهتم ترامب بتوجيه نقد سياسي لبايدن لكنه يقول عنه : " عندما أقرأ العبارات المعقدة المكتوبة له ليلقيها فى المؤتمرات أقول : جو لايفهم هذا الكلام ولا حتى يدرك معناه ، هذا رجل انتهت صلاحيته ، هو لم يحقق شيئا ذا أهمية خلال مسيرته المهنية على مدار نصف قرن منذ أن كان سيناتور ثم نائبا للرئيس ، لايصلح زعيما وإذا انتخب رئيسا سوف يسلم بلدكم للعصابات الراديكالية ". 
ومن أشهر الأوصاف  التى يطلقهاعلى غريمه أنه " مجنون وخامل وكسيح وضائع ونائم دائما ، وغبى لايفهم ، وشارد الذهن غير قادر على التركيز ، يخلط بين زوجته وأخته ، عدو لله ومتهالك ، يعانى من مشكلات نفسية وصحية ، تافه لايقدر على المواجهة وشخصيته ضعيفة بلا طعم ، مجرد دمية فى يد اليساريين المهووسين".
وحين يهاجم نانسى بيلوسى يقول : " أنظروا إليها وهى تتكلم ، إنها مجنونة ، مختلة عقليا  وغير متزنة نفسيا ، ليس لديها أى فكرة ، أنا أدرى بحالها ، ولا أعتقد أنها تحب بلدنا " ، أما حين يسخر من كامالا هاريس الهندية الأصل فيقول متهكما : " إنها جميلة ومقرفة ولئيمة ".
على الجانب الآخر يوجه بايدن فاصلا مماثلا من الردح السياسى لترامب ، فيصفه بأنه " فاسد وغير مؤهل كزعيم ، لايرتقى إلى مستوى الوظيفة التى يشغلها ، ولا يجيد غير التنمر على الآخرين وبث الفوضى والانقسام ، إنه مجرد سمسار عقارات عنصرى لايفهم فى شئون الدولة ، والأفضل له أن يعود لمراهانات المصارعة ، ويكفى ماألحقه بسمعة بلادنا من أضرار".
ومؤخرا دخلت بيلوسى وهاريس على خط المواجهة ، وكذلك ميشيل أوباما زوجة الرئيس السابق ، كما أصدر الكاتب الصحفى بوب وود ورد المعروف بـ " قاهر الرؤساء " كتابا جديدا ضد ترامب بعنوان " الغضب " ، يضاف إلى مجموعة الكتب التى حملت الكثير من الشتائم والاتهامات للرئيس على مدى السنوات الأربع الماضية. 
 لكن الغريب حقا هو الطعنة التى تلقاها ترامب من أفراد عائلته المقربين ، الذين اتضح أنهم من أشد معارضيه ، ففى يولية الماضى أصدرت مارى ترامب ابنة شقيقه كتابا يكشف فضائحه العائلية ويقدم له صورة مدمرة كفيلة بالقضاءعلى سمعته ، ومارى طبيبة نفسية وكتابها بعنوان " كيف خلقت عائلتى أخطر رجل فى العالم " ، تقول فيه عن عمها الرئيس إنه نرجسى ومريض بالكذب ومعتل اجتماعيا ، ومتهرب من الضرائب وساهم فى قتل أبيها ، وإنه يكره المرأة القوية ويغار من المرأة الذكية مثل انجيلا ميركل المستشارة  الألمانية ، وقد بيع من هذا الكتاب حوالى مليون نسخة فى اليوم الأول لطرحه بالأسواق .
 ومؤخرا كشفت مارى لصحيفة " واشنظن بوست " عن تسجيل مدته 15 ساعة لعمتها ماريان ترامب بارى ـ شقيقة الرئيس وقاضية استئناف فيدرالية سابقا ـ تصف فيه شقيقها بأنه قاس ومزور ولا يعمل إلا لمصلحته الشخصية ، ويستخدم تغريداته الملعونة  لتزييف الحقائق وتغيير الروايات ، وأنه استأجر شخصا ليدخل اختبارت القبول بجامعة بنسلفانيا بدلا منه لأنه لم يكن مؤهلا لدخول الجامعة. 
وهكذا لم تعد أمريكا تذكرنا بالانتخابات الحرة والمنافسة الديمقراطية الراقية ، بل تذكرنا بأجواء الحارة المصرية التى اندثرت.