هيرمس
شايل جيل

عين العقل

عندما تسقط الشعارات!!


نحن لانلومكم ـ أيها السيدات والسادة ـ على كراهيتكم للحجاب ، ولأى رمز إسلامى ، ففى بلادنا ـ بلاد الإسلام ـ هناك من يكرهون الحجاب مثلكم ، لكننا نعتب عليكم فقط لأنكم خذلتم نخبتنا التى انخدعت بشعاراتكم وصدقتها ، وها أنتم تخونون المبادئ والشعارات التى صدعتم بها رؤوسنا على مدى سنوات طويلة مضت ، شعارات الحرية والكرامة الإنسانية والتعددية الثقافية وقبول الآخر ، نحن نعرف كم هى رخيصة تلك الشعارات عندكم ، واليوم تأكدنا للمرة المليون أنكم صنعتموها لتتاجروا بها ويستهلكها غيركم ، وأنكم لستم جادين فى احترامها  وتطبيقها على أنفسكم . 
أيها السيدات والسادة ، نحن لانلومكم وإنما نشكركم ، فقد كشفتم حقيقتكم ، وقدمتم لنا دليلا عمليا جديدا على فجاجتكم ومعاييركم المزدوجة التى تتعاملون بها مع المختلفين عنكم ، وأنتم على قمة الطبقة السياسية فى فرنسا الحرة ، فرنسا التى تسوق للمخدوعين شعارات ثورتها حول المساواة والعدالة والإخاء ، بينما سلوكها ينسف تلك الشعارات نسفا ، ويضعكم حيث يجب أن تكونوا .
فى الواقع ، ماحدث  يوم الخميس الماضى ـ 17 سبتمبر 2020 ـ لم يكن جديدا علينا ، لأننا اعتدنا على هذه الممارسات العنصرية ، ونعرف جذورها جيدا ، وربما كان من المهم أن تعرف الأجيال الشابة هذه الممارسات وتعيشها حتى لاتنخدع بشعاراتكم كما انخدع كثيرون ، ولا أظن أن الطالبة مريم بوجيتو ومن معها ، وأيضا من تابع قضيتها من أبناء جيلها ، يمكن أن يخطئوا فى فهم الرسالة التى وصلتهم من سلوككم على الهواء مباشرة . 
مريم بوجيتو طالبة مسلمة محجبة تدرس فى السربون ، أعرق جامعات فرنسا ، وقد اختيرت بصفتها نائبة رئيس الاتحاد الوطنى لطلاب فرنسا للحديث أمام جلسة استماع يعقدها البرلمان  حول آثار جائحة كورونا على الشباب والأطفال شارك فيها ممثلون عن هيئات ونقابات واتحادات طلابية وشبابية عديدة ، وما إن جاء الدور على مريم لإلقاء كلمتها حتى ضجت القاعة بهمهمات معترضة على مشاركة طالبة محجبة ، بل على مجرد تواجدها من الأساس فى مبنى البرلمان ، وعلت أصوات بعض العضوات والأعضاء الذين يعلنون انسحابهم وخروجهم من القاعة .
 الواقعة أحدثت ردود فعل واسعة فى وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الإجتماعى  ، ووصفها البعض بأنها حالة " تنمر " على الطالبة ، بينما احتفت مجلة " شارلى إبدو " بالنواب المنسحبين وامتدحت شجاعتهم ، وبررت إحدى هؤلاء المنسحبين ـ تدعى آنا كريستين لانج ـ تصرفها قائلة : " بصفتى نائبة مهتمة بالقضايا النسوية ومتشبثة بقيم الجمهورية العلمانية وحقوق المرأة لاأقبل أن تأتى فتاة للمشاركة فى أعمال البرلمان وهى بالحجاب الذى يمثل بالنسبة لى رمزا للخضوع ، وعليه غادرت الجلسة مباشرة ".
وتبين أن لانج هذه تنتمى إلى حزب " الجمهورية إلى الأمام " الحاكم ، وهو حزب الرئيس الفرنسى ماكرون الذى دافع منذ أسابيع قليلة عن إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبى الإسلام صلى الله عليه وسلم فى " شارلى إبدو " ، واعتبر ذلك نوعا من ممارسة حرية التعبير رغم تعارضه مع حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر فى أكتوبر 2018  ، والذى يقضى بأن الإساءة للرسول لاتندرج  ضمن حرية التعبير عن الرأى ، لكننا اعتدنا من هؤلاء القوم على أن ماهو مكتوب فى الورق شيئ وما يمارس فى الواقع شيء آخر.
أبسط دليل على ذلك أن القواعد المعتمدة من قبل البرلمان الفرنسى حتى اليوم تسمح للأشخاص المشاركين فى جلسات الاستماع أو الذين يحضرون المناقشات البرلمانبة بارتداء الرموز الدينية ، لكن أعضاء البرلمان مستعدون للتسامح فى هذا الأمر مع السارى الهندى وعمامة السيخ ولحية الماركسيين وقلنسوة اليهود وما إلى ذلك ، أما حجاب الفتاة المسلمة فأمر مختلف لاتسامح معه ، بل يجب أن يختاروا هم للمرأة المسلمة الملابس التى ترتديها ، ومن هنا كانت قضية الطالبة مريم بوجيتو مناسبة لفتح باب الجدل من جديد حول هذه القواعد ، والمطالبة  بتشديدها حتى لايكون البرلمان الفرنسى مسرحا للتطرف الإسلامى ، حسب زعم أحدهم . 
القضية فى اعتقادى ، ودون تعميم مخل ، لاتتعلق بالحجاب فقط ، وإنما تتعلق بالإسلام ككل ، مازال هناك قطاع عريض فى فرنسا ، وفى الغرب عموما ، ينظر إلى الإسلام بعين الريبة ، ويعتبره خطرا وجوديا ، ولذا فالواجب أن يظل محاصرا ومستبعدا ومكروها ،  ، وعندما يكون هؤلاء  فى الموضع السياسى أو الفكرى المؤثر لايستطيعون إخفاء مشاعرهم ، أو التخفى وراء ستار العلمانية الخادعة ، التى يدعون أنها توفر الحرية للأديان والعقائد ، وتتعامل مع الناس جميعا بالتساوى ، فتأتى ممارساتهم كاشفة لأضغانهم ، وتسقط شعاراتهم .
الغرب لاينسى ميراث الصراع القديم الممتد تاريخيا مع الإسلام والمسلمين ، ومازال يحارب معركته فى الاتجاهين معا : إفساد الإسلام ومحاولة تبديله ليكون إسلاما رخوا مناسبا لزمن الهزيمة والانكسار ، وإفساد المسلمين بإغراقهم فى بحور الفتن والصراعات والتخلف والتشرذم ، وشغلهم بتيارات هامشية وسطحية تأخذهم بعيداعن طريق العلم والمعرفة وامتلاك أسباب القوة ، ولا تسمح لهم بأية فرصة لوحدة كلمتهم وتجميع صفوفهم .      
والآن .. ترى هل ننتهز الفرصة لنرى الحقيقة ناصعة أم نظل غافلين تائهين فى الدروب الملتبسة ؟! .. هل نحن قادرون على أن ننعتق من التبعية ونتحرر من القيود التى كبلتنا ونعود إلى ذاتنا ، أم سنجد ألف مبررللممارسات العنصرية الفجة ضدنا ، ونمنح غيرنا ثقة لايستحقها ، ونخدع أنفسنا  بشعاراته المهترئة ؟