هيرمس
شايل جيل

إلى الأمام

هوامش على جماهير معرض الكتاب

القراءة الورقية حلال للكتب حرام للصحافة.. كيف؟!


كل الشواهد والوقائع على الارض تؤكد ان هناك اقبالا جماهيريا كبيرا غير مسبوق على معرض القاهرة الدولي للكتاب..وان هناك زيادة في عدد الناشرين عن الاعوام السابقة.. 900 دار نشر شاركت في الدورة الحالية بينها 594 مصرية و255 ناشر عربي واجنبي و7 ناشرين فقط للكتب الالكترونية.

 التصريحات الرسمية تؤكد ان بعض الايام تجاوز عدد الزائرين النصف مليون زائروفي يوم الجمعة وحد وصل الرقم الى 568 الف زائر.. وانا اصدق لعدة اسباب ان الزيارات في معظمها كانت اسرية اب وام واولاد وهذا شيء جميل وايجابي لافت للانظار ..او كانت شلل شبابية..ونادرا ما تكون الرحلات الفردية.. والمكان يسمح ويتسع فالمساحات مهولة ومجهزة ومريحة وتليق بالفعل بمعرض تنظمه مصر ويليق بمكانتها.. 

 الارقام مهمة وذات دلالة..ولا يجب ان نمر عليها مرور الكرام حتى في ظل اقاويل بان البعض يعتبرها فسحة اوخروجة  والسلام في اجازة نصف العام.فهذه مماحكة ثقافية ومن باب "من حام حول الحمى يوشك ان يواقعه او يقع فيه."

 اول ما يهمني واستوقفتي بالفعل ان القراءة لا تزال بخير وان الكتب المطبوعة عليها طلب كبير رغم ارتفاع الاسعار والشكاوى المتزايدة من الغلاء وارتفاع التكلفة وهو ما يعكس درجة عالية من الوعي والرغبة الحقيقية في التنوير والاستنارة..

شيئ مهم اخر وهو ان الكلمة المطبوعة لا تزال سيدة الموقف ولها بريقها الاخاذ ولم تتأثر او تتدهور مكانتها او تتراجع امام سطوة وتغول العوامل الالكترونية – وهي مهمة ايضا–

استرعى انتباهي عدد الناشرين للكتب الالكترونية لم يتجاوز 7 فقط من بين 900 ناشر النسبة المتواضعة استدعت الى الذهن اسئلة عديدة مهمة وملاحظات اهم خاصة على صعيد الصحافة الورقية والحملات المستمرة ليل نهار ومن يتعجلون موتها ويحاولون تشييعها ويقرأون عليها الفاتحة رغم انها لاتزال تنبض بالحياة وتقوم بدورها حتى وان اصابها الضعف.

المبيعات للكتب وحجم الجمهور الكبير وقائع كاشفة وتلقي بظلال مهمة حول حقيقة ما يشاع حول الصحافة الورقية والدوافع والاسباب حول استعجال موتها او رحيلها او على الاقل تقليص دورها وتحجيمها وحشرها في الزاوية وارغامها على الاستسلام!

ولعل في هذا رسالة ناصعة البياض لمن يتولون امر وشئون الصحافةان : لا تصدقوا ما يشاع..الا تستسلموا لنداءات ابليس وقوى الشر المعادية للصحافة ودورها الوطني والقومي..الا تجهضوا اهم واخطر اسلحة التنوير والاتصال بالجماهيرفي مجتمع لايزال يعشق القراءة ويستمتع بالكتاب..الا تغفلوا ايضا سلاح العصر الحديث ووسائل التواصل فلها ايضا دورها واسهامها وحيويتها وانما هي ليست كل البديل..

ملايين معرض الكتاب - وفقا لتصريح ايمن بيومي مدير المعرض تجاوز الزوار مليونين ونصف -لا يمكن ان تخدع احد فجمهور القراءة للكتب هم بالتاكيد جمهور قراءة الصحف بلامنازع..وليس من المنطقي القول ان القراءة الورقية حلال للكتب حرام على الصحف..الا ان يكون هناك شيء اخر وان وراء الاكمة  ما وراءها.

لا يعنى هذا دفاعا عن حالة الوهن والضعف التى ادت الى تراجع الصحف والاقبال عليها. فاهل الصحافة يتحملون اوزارا مع اوزارهم وان البعض قد يساهم عامدا متعمدا في الجريمة.

 الامر يستدعي انقاذا سريعا وعاجلا.ولابد من الاعتراف بان الثقافة غابت كثيرا وابتعدت بعيدا عن الصحافة في السنوات الاخيرة فخسرت كثيرا ولو عادت اليها الثقافة بكتابها الكبار ومثقفين حقيقين وابداع جديد ورؤى صادقة ومعالجات واقعية وقادت معارك الوطن في البناء والتنمية ومواجهة قوى الشر في كل مكان في الداخل والخارج..لتبدل الحال فوراولتغيرت الصورة تماما.

لا مفر من ان تعود الصحافة مرة اخرى لقواعدها الوطنية واصول مهنتها الراسخة وان تتطهر من الدخلاء عليها والذين يكبلون مسيرتها ويحولون بينها وبين الجماهير والقيادة الحقيقية لمصابيح الوعي ومشاعل النور. 

يرتبط بالقضية ارتباطا وثيقا ما شاهدته بين الجمهور في صالات العرض وخاصة اجنحة الهيئة المصرية للكتاب الاقبال النهم والكبير على الكتب القديمة والاصدارات الاولى للمجلات الثقافية وما تبقى منها من اعداد وهي في الحقيقة تحمل زادا ثقافيا رائعا وانتاجا لاعلام الادباء والكتاب في مطلع القرن الماضي وايضا هي مليئة بالمعارك الادبية والمجادلات والملاسنات بين الكبار..فقد كانت الصفحات مفتوحة للابداع الحقيقي وكان هناك اعلام للنقد الادبي وغيره يمثلون مدارس مهمة وكان هناك تقديم وتمحيص للنظريات الادبية والفلسفية في الداخل والخارج و نشاط رائع لحركة الترجمة للاصوات العالمية في فنون المعرفة المختلفة.

 كتب قديمة وبعضها بلا اغلفة او متهالكة من سوء التخزين الا ان الاقبال عليها والتمسك بالنسخ واحتضانها من المناظر المؤثرة عميقة الدلالة هذا الارتباط العفوي الطبيعي يعكس عشقا للثقافة الاصيلة ورغبة في التطلع الى المزيد ويستصرخ الجميع وخاصة المسئولين عن الثقافة ومن يرغبون في استعادة الوعي ان هبوا وتحركوا وامامكم الطريق واضحة المعالم ..

 لا حظت ان بعض الكتب والعناوين المهمة لكتب تراثية تم تحقيقها واجزاء من مجلدات رائعة تعود لسنوات بعيدة من الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى..ودار في ذهنى السؤال..من الذي حبس اعمدة الثقافة هذه في المخازن ولمصلحة من ؟ والجمهور وقتها كان يتلهف ويبحث عن تلك الاصدارات في اي مكان؟ الم يفكر احد طوال تلك السنوات في فك عقال وتوزيع تلك الذخائر والدرر الادبية النادرة بالفعل ؟

 لكنى سرعان ما اعود وتحدثني نفسي..احمد ربك انها ظلت في المخازن ولم يتم بيعها لمحلات الفول والطعمية او الروبابيكيا بالكيلو او اي شيئ من هذا القبيل.. اخشى ان يكون في الامر امور تتجاوز حدود الاهمال لتمتد الى العبث بالعملية الثقافية والرغبات الجهنمية في اجهاض مشروعات كانت ترغب في نشر التنوير وتوسيع دائرة الاستنارة في ايام طغيان المد الثقافي والفكري حيث كانت مصر حجر الزاوية في الابداع العلمي والادبي في المنطقة العربية والعالم!

سؤال للسيدة الفاضلة ايناس عبد الدايم وزيرة الثقافة لماذا لا يعاد طبع تلك الذخائر وتقديمها في طبعات شعبية لمواجهة ضعف الانتاج الحديث وغياب الكتاب المهيمن او المسيطر ولاشباع حالة النهم والتشوف غير العادي لكتب التراث والاحتفاء بها؟!

** شيئ واحد لم افهمه هو الاصرار على وجود مترجم للغة الاشارة مصاحب لكل الندوات والفعاليات رغم ان القاعة لايوجد بها احد من اهل الاشارة او المخاطبين بها مع احترامي الشديد لاهل الاشارة وكل اشارة وكل من شار واستشار.

 ** الحياة بدأت بالفعل تدب من جديد في معرض القاهرة للكتاب ليعود الى سابق عهده وافضل ساحة مفتوحة للحوار ومنطلقا لكل جديدي ومهم من الرؤى والافكار..

والله المستعان..  

[email protected]