هيرمس
شايل جيل

السيدة الذكية كليوباترا

يتباهي الغرب بنماذج عديدة لسيدات إستطعن تسجيل أسمائهن بحروف من ذهب في سجلات التاريخ، وذلك بسبب أعمال عديدة ومختلفة ساهموا فيها سواء كانت تلك الأعمال سياسية أو اجتماعية أو إنسانية.

وشرعت الآلة الإعلامية الغربية علي تذكير الناس بهذه الشخصيات النسائية البارزة حتي تظل نموذجا للأجيال الجديدة تقتدي به وتسير على نهجه.

ومن المتعارف عليه قيام الدول بالترويج لشخصيات مختلفة يتوقف امامها التاريخ طويلا،فهذا من شأنه ترسيخ الإنتماء ورفع درجات الولاء، حتي لو كان هذا الترويج يتخطي في بعض الأحيان حدود الواقع ليجعل من هذه الشخصيات أساطير تتحاكي عنها الأجيال.

وتاريخنا المصري القديم مليء بنماذج نسائية كثيرة أسهمن في صنع التاريخ بل كن جزءا من التاريخ نفسه.

تحدثنا في موقف سابق عن العظيمة نفرتيتي واليوم نتحدث عن الملكة الذكية كليوباترا.

وسنحاول اليوم الكشف عن الغموض الذي يعتري حياة هذه الملكة الاسطورة.

هي ملكة فرعونية لم يعرف التاريخ مثلها على الإطلاق.

لقبت بملكة النيل العظيمة وأسطورة جميع العصور ،عندما يتردد إسمها نتذكر علي الفور القوّة والذكاء والجمال والسلطة.

كانت السابعة ترتيباً بين اخوتها ولكنها كانت الأكثر دهاء وذكاء.

عرفت بشخصيتها القوية ومكرها الشديد،فأستطاعت بذلك أن تأسر قلوب الملوك العظام والقادة البواسل مثل  يوليوس قيصر ومن بعده مارك أنطونيوس.

جاذبيتها وقوة شخصيتها كانا سببا من الأسباب التي ساعدتها في التربع على عرش البلاد لمدة حوالي 20 سنة فأصبحت من أشهر الحكام في التاريخ القديم.

يرجح أنها ولدت عام 69 قبل الميلاد،والدها هو الملك بطليموس الثاني عشر والذي تولت الحكم بعد وفاته في سن ال18 مع شقيقها بطليموس الثالث عشر.

ثم تزوجت من أخيها وفق التقليد الفرعوني “للحفاظ على الدم الإلهي “داخل العائلة الملكية ولكن سرعان ما ساءت العلاقة بينهما.

سعي مستشارو ومعاونو أخيها على بث الفتنة بينهما، ممّا أدى إلى نزاع شديد واضطرت الي مغادرة البلاد بحثا عن المساعدة.

ولكنها عادت فيما بعد إلى مصر عن طريق قيصر الذي أيدها وثبتها ملكة على العرش.

وقصة لقائها بقيصر أشبه بالخيال فكثير من العلماء يشكك في كيفية أول لقاء لها مع قيصر.

وذكر بعض المؤرخون أنها ظهرت فجأة أمام قيصر وكانت ملفوفة في سجاد،وحُملت في قارب إلى قصر الإسكندرية وصولاً إلى غرفته،وأخذت في التوّسل إليه لمساعدتها في استعادة الحكم ووصف هذا اللقاء بأنه:
“اللقاء الذي عرضت فيه كليوباترا نفسها”.

فأسرته بمفاتنها وقدرتها على الإقناع،باعتبارها الأجدر بحكم مصر.فساعدها قيصر في التغلب على بطليموس الثالث عشر الذي ترجح المصادر أنه مات غرقا فيما بعد.

ويُشهد لها أنّها كانت ذكية جداً،وتتكلم اليونانية وتعلّمت اللغة المصرية ويقال انها أتقنت عدة لغات أخرى.

اشتهرت بحبها للعلم والفلسفة ولها قدرة على المناقشة والإقناع،كما كانت بارعة في الكيمياء والرياضيات.

سافرت بعد ذلك مع قيصر إلى روما وقام ببناء قصر لها وشيد لها الفنانون  تمثالاً في المدينة التي كان أغلب سكانها يتوخون الحذر من كليوباترا، معتبرين أنّ “الشر يأتي من الإسكندرية”.

وبعد وقت قصير أنجبت طفلاً وهو بطليموس الخامس عشر (قيصرون) لتؤكد علي حنكتها 
وتخطيطها الجيد للأمور فها هي أسرت قيصر بذكائها ودهائها فما كان منه إلا أن يحتويها ويوفر لها الأمن والأمان.

ويؤكد علماء التاريخ أن جمالها لم يكن هو السبب في وقوع قيصر في حبها بقدر حنكتها ودهائها.

وبعد موت قيصر إنقسمت روما بين“أكتافيوس” وهو ابن قيصر بالتبني و”ماركوس أنطونيوس” وهو أحد أهم القادة العسكريين،وأراد كل واحد منهما أن يستولي علي مقاليد الحكم والسيطرة على الإمبراطورية الرومانية.

ونشأت علاقة شديدة التعقيد بينها وبين مارك انطونيوس ويحكي أن أوّل لقاء بينهما كان في سفينة مغطاة بالذهب مجاديفها من فضة،ورائحة العطور التي تنبعث منها تغطي الأجواء،وكأنها “آلهة الحب” ويُحكى أنّها أنفقت أموالاً طائلة على المآدب التي أقامتها على ظهر سفينتها،حتى أنّها أذابت أحد أقراطها وكان من اللآلئ في كأس من النبيذ.

الا أن التجارب العلمية تؤكد أنّها استعملت لؤلؤة مزيفة لتسحره يها،فلا يمكن أن تنصهر في شكلها الحقيقي،هي مجرد حيلة استطاعت من خلالها الإيقاع به والتأثير عليه.

واستطاع انطونيوس أن يصد هجوم أكتافيوس ومن ثم السيطرة علي الشرق.
وأطلق العلماء على علاقة كليوباترا بانطونيوس  الممزوجة بين السلطة والجنس لقب “علاقة الشهوة للنفوذ”.

اصدر انطونيوس منشورا يمنع الرومان من الزواج بغير رومانية،فلم يستطع الزواج من الملكة الجميلة واحتدم الصراع بينه وبين أكتافيوس،وانتهي الي حرب خسرها أنطونيوس وكليوباترا،وانتهت بانتحاره ثم لحقت به ملكة النيل ليسدل الستار على حياة الأسطورة الفرعونية بشكل مأساوي.

تعدّ كليوباترا حالة خاصة خارجة عن المألوف ومختلفة عن مثيلاتها من ملكات مصر القديمة،لها جانب مظلم  في حياتها المليئة بالاحداث الجسام .

وصفت بانها “الوحش الفتاك” الذي تربع على عرش الحكم على ظهر أخوتها،بعد أن سمّمت أخاها وطلبت من أنطونيو قتل أختها الأصغر منها في المعبد،وغيرها من الجرائم التي اقترفتها بدم بارد حتى أنّ نهايتها منتحرة بلدغة أفعى سامة،يكشف طابعها المخيف رغم التشكيك في طريقة موتها.

قصص الملكات العظيمات كثيرة وبها الكثير من الأحداث الشيقة ولكن الأهم هو كيف تستفيد السياحة المصرية من كل ذلك؟

انه التسويق وصناعة الحدث.
مثلما يتم صناعة النجم لابد أن نصنع حدثا ما يتعلق بحياة الملكة ثم نسوق لهذا الحدث التسويق الأمثل. 

لو امتلكنا كل آثار وتاريخ العالم قديما وحديثا بدون أن نمتلك آلة تسويقية قوية فلن نستفيد من هذا التاريخ وتلك الحضارة لأن التسويق هو من يقدم ما تملكه إلي الآخرين.
حفظ الله مصر جيشا وشعبا