هيرمس
شايل جيل

دائرة الوعي

متى نعود للتدين الحقيقي 

 

"نصوص الأهرام من مصر القديمة تعتبر واحدة من أقدم النصوص الدينية المعروفة حول العالم والتي يبلغ عمرها 2400-2300 ق.م". تلك العبارة وردت في دراسة لموسوعة ويكيبيديا بعنوان ( تاريخ الأديان )، وتكشف أن نصوص أو متون الأهرام من أقدم النصوص الدينية وقد بدأ تدوينها منذ اكثر من 4 ألاف و300 عاما.

ومتون الأهرام لم تكن بالنسبة للمصريين القدماء مجرد نصوص دينية فقط ولكنها كانت بمثابة دستور لتنظيم الشئون الدينية والدنيوية بل وتنظم حياة المصري القديم بعد الموت . وجاء في الموسوعة العربية الميسرة أنها :" مجموعة ضخمة من النصوص الدينية، نقشت على جدران حجرات الدفن والمجازات المؤدية إليها بباطن الأهرام، من عهد «أوناس» حتى نهاية الأسرة السادسة أو ما بعدها بقليل. وهي مزيج من صور الحياة عند الفراعنة منذ فجرها الأول، فيها ألوان من نظم الحكم والسياسة والعقيدة، ومكان الملك من الرعية، ومن الأرباب المعبودة، ثم ألوان من الكفاح والجهود التي بذلت في سبيل خلق حياة منظمة مستقرة، والهدف من بعض نصوص الأهرام هو حماية جسد الفرعون، وإحياء جسده بعد الموت ومساعدته على الوصول إلى الجنة في حياته الآخرة ".

فالتدين سمة مصرية أصيلة وقديمة قدم الأديان، بل سابقة للأديان. ويعد المصريون أول الموحدين حتى قبل اخناتون وجاء في كتاب الموتى في متون الأهرام النص التالي: " أنت الإله الواحد ليس قبلك شئ وليس بعدك شئ ". 

 ويقول الباحث أحمد ابراهيم في مجلة (مصر المدنية ) النص التالي :" ان مصر بلد أول كتاب ديني كتبه الإنسان ..وهذا هو التدين المصري فعلي الرغم أنها غيرت شكل دينها عدة مرات لكن جوهر الدين في قلبها واحد عبر الاخناتونية والمسيحية والإسلام وهو توحيد يتمثل في توحيد الله ووحدة الوجود".

ورغم أن التدين سمة أصيلة لحياة المصريين على مدار التاريخ إلا أننا إبتعدنا عن التدين الحقيقي فأصبحنا نعيش الضنك وهي عقوبة يعجل بها الله للمبتعدين عن دينه في الدنيا ، فقال جل جلاله في الآية 124 من سورة طه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) أما عقوبة الأخرة فذكرها في الجزء الأخير من نفس الآية بقوله تعالى (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ).  فالتدين في أيامنا المعاصرة تحول لدي الغالبية إلي مجرد مظهر ليس له صلة بالسلوكيات والاخلاقيات وهي جوهر التدين الحقيقي . فالاقلية فقط تتذكر الحديث النبوي الشريف : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له " .فنجد بين من يصلون في الصفوف الاولي الغشاشون وآكلي حقوق الاخرين والنمامين.. الخ . والمدهش أن النميمة يشتغل بها البعض بمجرد التسليم من الصلاة بالسخرية من الأمام أو من المجاورين لهم في صف الصلاة.

وأصبح الدين لدي الغالبية مجرد طقوس لإرضاء الذات وتجميل الصورة الشخصية لدى الناس يتجلي ذلك بوضوح في الملايين الذين يتوجهون قبل جائحة كورونا الي مكة المكرمة للحج والعمرة سنويا كي يلقب بالحاج ،وينفق أحدهم عشرات الالاف من الجنيهات خلال أيام بينما جيرانه وأقاربه في حالة عوز شديد ولو كان التدين حقيقي لكان سداد حاجة الجار وأولي القربي أولي وأكثر صوابا بل وأجدي في بناء المجتمع الاسلامي المتكامل والصلب. وقد سألت أحدهم لماذا الإصرار على العمرة سنويا فرد قائلا :" اشعر بالمتعة النفسية ، والمهم ان أكون معا المجموعة التي تواعدنا على السفر كل سنة ". 

 والأكثر غرابة إنفصال أقوال المتدينين عن أفعالهم حتي بين بعض الأئمة والعلماء مما أفقد الثقة لدي أغلبية البسطاء. أما الاشد خطورة في مسألة التدين فيتمثل في استغلال الدين لتبرير حالات الظلم والقهر بزعم الصبر علي البلاء والرضا بالقضاء والقدر.
 فمتى نعود للتدين الحقيقي كي تنصلح أحوالنا في الدنيا والآخرة ".