هيرمس
شايل جيل

طيب القول

مصر والمصريون.. المعدن الأصيل فى المحن والشدائد

كل يوم يُثبت المصريون أن معدنهم الأصيل هو الغالب وهو الأصل فى حياتهم، رغم أنه قد لا يظهر على سطح الحياة الاجتماعية وسط صخبها وضغوطاتها الرهيبة التى تطحن الإنسان وتجعله بالكاد يتفرّغ للاهتمام بشئونه الذاتية، تاركا شئون الآخرين لأصحابها! حتى أن الكثيرين يتساءلون فى استهجان واستغراب: أين ذهبت أخلاق المصريين؟ ولماذا لم يعد الخَلَف مثل سَلَفِهم؟! وهل اندثرت سمات وصفات الرجولة والشهامة من المصرى الذى عُرف عبر تاريخه الطويل بهذه السمات والأخلاقيات الحميدة؟!

وغالبا ما يظهر هذا المعدن الأصيل فى المحن التى يتعرّض لها المصريون- وما أكثرها- فتجد الشهامة والرجولة والتسابق والمسارعة فى تقديم يد العون والمساعدة، بل الإيثار على الذات والنفس، فالمصرى ينسى أو يتناسى آلامه وأحزانه، إذا ما وجد أخيه فى محنة أو أزمة ألَمَّت به، فينخرط بكل جوارحه واقفا بجوار أخيه "المأزوم" حتى وإن لم يكن لديه سابق معرفة به، وهذا هو فى غالب الأحوال.

وقد ظهر هذا المعدن الأصيل فى أجلى معانيه، بمجرَّد وقوع الحادث الإجرامى الأثيم بجوار معهد الأورام بمنطقة المنيل، وراح ضحيّته- لا أقول أناس أبرياء، فجميع ضحايا مثل هذه العمليات الدنيئة أبرياء- بل أناس يعانون أشد أنواع المرض فتكًا وتعذيبا، فيأتى الإجرام ليزيد ويضاعف من معاناتهم ومآسيهم، ونحن إذ نصف كل الأعمال الإجرامية والإرهابية بالخبيثة والآثمة، لكن عاقل لم يتصوَّر أن تصل بهم الدناءة والحقارة لارتكاب جرائمهم وسط الضعفاء والمرضى والآمنين فى الشوارع والطرقات، لكن الله تعالى يريد أن يفضحهم ويكشف للناس ما يتستَّر به أولئك المجرمين الآثمين من أردية المظلومية والتمسّح بالدين.

وفى مقابل هذه الصورة المأساوية القاتمة، تتجلَّى صور الأصالة المصرية، والإسراع فى التعاون والتعاضد والتراحم التى حوَّلت هذه المحنة والمصيبة إلى منحة وفرصة لإجلاء الصدأ عن هذا المعدن المصرى الأصيل، فالمشهد والوضع يؤكد لنا كل هذه المعانى الجميلة والعظيمة، التى تجلَّت ليس من المصريين وحدهم بل أيضا من أشقائهم العرب النبلاء، ففى خلال ساعات قلائل بدأ العمل لإزالة تلك الآثار المؤلمة والمُحزنة، واستعادة الوضع لأفضل مما كان سابقا.

وليتأكد فى هذا الفعل والسلوك قول سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- الذى رواه النعمان بن بشير- رضي الله عنهما-: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

فما أروع أنبل وأعظم القصص الإنسانية والبطولية التى صاحبت هذه الجريمة النكراء؟! وكلها تنم عن شعب أبىٍّ أصيل، سيظل فى رباط إلى يوم الدين كما قال سيدنا رسول الله، ولن تثنيه أية حوادث أو جرائم يرتكبها مجموعة من الخارجين عن الدين أو الإنسانية، لا يرقبون فى مؤمن إلاً ولا ذمة، لأنهم فقدوا كل معانى وقيم الأديان والإنسانية، فباتوا غرباء بل كالسرطان اللعين، الذى يستوجب الاستئصال والاجتثاث من جسد الأُمَّة حتى يتعافى الجميع من خطورة دائه.

ورغم كل الصعاب والتحدّيّات ستحيا مصر بأهلها وشعبها، ومصير أولئك الخوارج إلى بئس القرار.