هيرمس
شايل جيل

لوجه الله

تجديد الفكر.. تجسيد لعظمة الإسلام

 

التجديد سنة الحياة، والتغيير قانون الوجود، ولا يوجد شيء مخلوق يظل على حاله إلى الأبد، والبديل للتجديد هو "الجمود"، والجمود فى عرف الإسلام يعنى الوقوف عند الآراء والاجتهادات السابقة، وجهود العلماء القدامى التى لم تعد فى مجملها مناسبة للعصر ومشكلاته وهمومه، وهذا أمر مستحيل لأننا - نحن المسلمين- ننتمى الى دين مرن متجدد بطبعه، ورسول الإسلام هو القائل فى حديثه الشريف: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".

لذلك فإن واجب المؤسسات الإسلامية- وفى مقدمتها الأزهر الشريف- أن تسعى جاهدة الى تجديد الأفهام، وتبصير العقول، ولفت الأذهان، وتوجيه التائهين، الى حقيقة التجديد الدينى الذى يتفق مع طبيعة الدين الإسلامى الذى أراده الله خاتما للرسالات السماوية، والى وسائل وأدوات هذا التجديد، حتى لا يختلط التجديد بالتبديد، وتتحول الدعوة اليه الى معول هدم وأداة تخريب فى يد بعض العابثين.. وما أكثرهم فى بلادنا العربية والإسلامية.

*****                                       

لسنا فى حاجة الى تأكيد أن الإسلام- بطبيعته- دين يتماشى مع سنن الحياة، ولا يصادم الفطرة الإنسانية، ويشجع التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع مجالات الحياة.. وتجديد الفكر الإسلامى يعنى تشجيع العقول على الاجتهاد لإبراز محاسن الدين، والارتقاء بالخطاب الدينى لجذب عقول وأذهان وبصائر الأجيال الجديدة إليه، لكى تهتدى به فى حياتها كلها، وتبتعد أو تعتزل أصحاب العقول المغلقة والبضاعة الفاسدة، والنفوس المريضة الذين يغسلون عقول الشباب بثقافة دينية مغشوشة، وأفكار ضالة، وفتاوى باطلة تحرم ما أحله الله، وتحلل ما حرمه، وتدفع ضحاياها من الشباب الى ارتكاب أبشع صور الإجرام ضد المجتمع.

يقول د.محمود حمدى زقزوق عضو هيئة كبار العلماء ووزير الأوقاف الأسبق: "الاسلام دين متجدد ومتطور، والفكر الإسلامي عبر تاريخه الطويل في تجديد مستمر، لا يمكن للمسلمين دوام البقاء على التقليد، وعلماء الإسلام يدركون أن التجديد مطلب إسلامي، بل هو في حقيقة الأمر ضرورة وفريضة لتغيير الواقع وتطويره بمعايير الإسلام وأدواته في التجديد والتطوير والتغيير".

لم يقل أحد من علماء المسلمين ومفكريهم أن التجديد يعنى تغيير معالم الدين، فالكل يدرك أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي كتب الله له البقاء، وارتضاه للبشرية جمعاء من لدن آدم إلى قيام الساعة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" فالدعوة إلى التجديد ليست موجهة الى"أصول الإسلام وثوابته"، إنما هي دعوة إلى أصحاب العقول وخاصة العلماء والفقهاء والمفكرين والدعاة والباحثين فى العلوم الإسلامية لكى يجددوا ويطوروا ويحدثوا فى مجالات عملهم وفق توجيهات الدين ..

*****

التجديد المطروح للحوار والنقاش الآن هو تجديد فهم النصوص وفق متطلبات العصر، وتجديد الخطاب الإسلامي بما يتفق مع عقلية وثقافة ووعى المخاطبين، وهذا التجديد الذى نتطلع إليه في المجال الديني والذى يراه كثير من علماء الأمة ومفكريها "ضرورة مؤكدة وفرض كفاية" لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمس الثوابت التي هي "النصوص القطعية الدلالة من القرآن الكريم ومن الحديث النبوي الصحيح" لأنه كما يقول علماء الفقه "لا اجتهاد مع نص"، وإن كنا نؤمن بأن النصوص فى حاجة الى نظر وفهم جديدين عن طريق علماء ومفكرين لهم باع طويل فى البحوث والدراسات الإسلامية.. وليس عن طريق الأدعياء الذين يسعون إلى قلب الحقائق وتزييف المفاهيم وتحريف الكلم عن مواضعه.

والخلاصة: أن التجديد الديني المطلوب والمرغوب هو تجديد للفهم وتجديد للخطاب الديني، وتجديد الخطاب الديني يتطلب تطوير أساليب الدعوة وتوجيه الجماهير الى هدايات الإسلام وآدابه وأخلاقه.. كما تعنى تجديد الفهم الرشيد لمقاصد الشرع الحنيف، وتجديد مناهج التفكير، واستنباط الأحكام من القرآن الكريم والحديث الصحيح، والتعامل مع القضايا والمشكلات المستجدة فى حياة المسلمين الآن في إطار القواعد والأصول الكلية والضوابط الشرعية المستمدة من صحيح الدين.

لقد تعلمت فى رحاب الأزهر الشريف أن التجديد هو أحد مقومات الإسلام الأساسية، إذا تحققت تحقق الإسلام نظاما فاعلا فى حياة المسلمين، وإن تجمدت تجمد وانسحب من مسرح الحياة، واختزل فى طقوس تؤدى فى المساجد أو تمارس على استحياء فى بعض المناسبات.

تعلمت من علماء الأزهر أن الوقوف عند ما تركه لنا السابقون من علماء المسلمين يعنى الجمود، والإساءة الى الإسلام.. ذلك الدين الحيوى.. كما تعلمت منهم أن الخوف من التجديد عدم وعى بقدر الإسلام وعظمته.

 ظروف العصر وتحدياته تفرض على علماء الأمة الآن فتح آفاق التجديد وعرض الإسلام بالصورة التى تليق به، وأعتقد أن هذه القناعة موجودة عند علماء الأزهر.. فالأزهر- ليس كما يتوهم البعض- ينصب محاكمات لكل من يتصدى لفك أغلال الجمود ومغالقه ويعبر عن روح وحقيقة ديننا العظيم.

علماء الأزهر- من خلال حواراتى معهم واستماعى الى مناقشاتهم واطلاعى على مؤلفاتهم لا يخشون التجديد المنضبط، ولذلك فإن التخوفات التى يرددها البعض ويلصقها بعلماء الأزهر مجرد ادعاءات ومزاعم لا يساندها دليل، فتجديد الفكر الاسلامى قضية مهموم بها علماء الأزهر أكثر من غيرهم.

ليس هناك ما يدفع علماء الأزهر الى الخوف من دعوات التجديد أو التشكيك فى نوايا أصحابها، فهم يدركون- أكثر من غيرهم- الحاجة الملحة لتجديد فكر المسلمين، وغربلة ما وصل إلينا من اجتهادات وجهود السابقين، وإنتقاء ما يصلح للعصر، وليس هناك ما يمنع من إعمال العقول في النصوص الدينية .. فالجمود على الموجود أمر غير مقبول لا من الناحية الدينية، ولا من الناحية العقلية، فنحن في أمس الحاجة إلى تجديد حقيقي في "فكر المسلمين"، وما دام التجديد يستهدف التطوير والتحديث وتبصير الناس بالحقائق الدينية الصحيحة، وتحذيرهم من كل تحريف للأحكام، أو إنفلات عن المبادئ والقيم.. فأهلا ومرحبا به.

 

[email protected]