هيرمس
شايل جيل

بالحسنى

الأفغاني ومحمد عبده


توققت طويلا أمام مقال الكاتب الصحفي الكبير السينارست سمير الجمل فى مجلة "حريتي" : جمال الدين الافغاني الماسوني الإخواني .

وبعيدا عما جاء في المقال من تفاصيل تحتاج مراجعة ، وبعيدا عن هوجة تقزيم الرموز وتشويههم من أمثال صلاح الدين الأيوبي . والإمام المصلح الكبير محمد عبده والزعيم أحمد عرابي والإمام المراغي وغيرهم فإنني أتوقف عند قضية الأخذ عن العدو والتعامل معه علي ان ما يقوله هو الصواب الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والإنطلاق منه والبناء عليه.

سبق أن تحدثت عن الأخذ من الإعلام الاسرائيلي تحت عنوان خطورة الاخذ من الإعلام الاسرائيلي . ذكرت فيه أنه إعلام يخدم قضيته بالباطل الذي هو مبدأ وجود اسراائيل وتزيين السوء والإشادة بكل ماهو مشين يصب فى مصلحة العدو ويضر بقضيتنا ومصلحتنا والأخذ من العدو أو عن اولئك الذين يتذمرون من الوطنيين الذين عاشوا لقضية بلادهم وأوقفوا حياتهم من اجل إيقاظ أمتهم التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار فعملوا دائما على تشويههم والتقليل من شأنهم ووصمهم بما ليس فيهم .

أقول : الأخذ عن هؤلاء يمثل سقطة منهجية لأصحاب الفكر لا يجوز أن يقعوا فيها خاصة أولئك الذين يريدون لأوطانهم أن تنشط وأن تأخذ مكانتها التى تليق بها فالمستشرق أو الباحث الغربي فى بلاد الشرق  أو فكر العالم الثالث جُند فى غالب أحواله من أجل استمرارية تبعية الشرق للغرب ومن ذلك تعظيم شأن الموالين للفكر الغربي الداعين لاستمرار التبعية فى مقابل تقذيم الوطنيين الرافضين لهذه التبعية الداعين للإستقلال الفكري والتميز الحضاري . ومن يبحث فى تاريخ الاستشراق ومن يقف على حقيقة مراكز البحث الغربية المتخصصة فى العالم العربى أو فروعها لدينا يعرف بسهولة هذه الحقائق ، ومن يقرأ الوثائق البريطانية التى افرج عنها والتي تتضمن مكاتبات السفراء البريطانيين أو المندوب السامي الى حكومات بلاده يجدها تختلف تماما عما روجه الاستعمار حول شخصيات وطنية حاولوا تشويهها بالإدعاء بأنها موالية لهم  وتأتمر بأمرهم حتى تسقط في نظر بني وطنها ومن ذلك على سبيل المثال الشيخ المراغي الذي أشاع الاستعمار عنه أنه موال لبريطانيا إلا أن الوثائق امتلأت بالغضب من ذلك الإمام الذي يعارض توجهات بريطانيا على طول الخط وقد أثبت ذلك الدكتور محمد رجب البيومى في مقدمة كتابه المراغي الذي صدر هدية على مجلة الازهر . وما حدث مع المراغي حدث مع جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وبالتالي فإن ما أخذه الزميل سمير الجمل عن ربورت دريوفوس فى كتابه لعبة الشيطان لا يجوز أن يؤخذ على أنه الصواب وكان عليه أن يقرأ تاريخ الافغاني الحقيقي فى أكثر من مصدر ليقف على الحقيقة بل كان عليه أن يقرأ تاريخ الماسونية التي خدعت كثيرا من المفكرين فانضموا إليها فلما اكتشفوا حقيقتها انفضوا عنها وأعلنوا ذلك للناس  .

أما الإمام محمد عبده ذلك المجتهد العظيم الذي لقب  بالاستاذ حتى صار هذا اللقب اسما له إذا ذكر عرف الناس أنه الإمام محمد عبده ..فما نقله حوله الزميل سمير الجمل من كتاب لعبة الشيطان هو أمر عجيب ذلك لأن سيرة الإمام أو الاستاذ متيسرة لمن أراد أن يقف عليها وقد كتب عنه العقاد كتاب صدر فى العدد الأول من سلسلة أعلام العرب التى كان يصدرها الدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام الاسبق وتحدث فيه طويلا عن جهود الاستاذ فى تطوير التعليم بالازهر الشريف فضلا عن تاريخه النضالي وموقفه الوطني ويكفي الاستاذ أن الزعيم  خالد الذكر سعد زغلول كان أحد تلاميذه الذين تعلموا على يديه وأخذوا عنه فكره الوطني حتى صار محمد عبده هو استاذ سعد زغلزل الأهم وقد افرد سعد زغلول حديثا طويلا في مذكراته تضمنت مراسلاته الي استاذه عندما نفي الى بيروت وكذلك مراسلات محمد عبده الى تلميذه بالقاهرة سعد زغلول ، ومن المؤكد ان سعد زغلول كان من الفطنة والعبقرية بحيث يختار استاذا من شأنه أن يصنع زعيما عظيما لأمة مثل سعد زغلول .. ومن يقرأ رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي للشاعر الكبير حافظ ابراهيم أحد تلاميذ الإمام يجده يهنئه بأنه سيلتقي باستاذه محمد عبده لأنه دفن فى صحراء الإمام التى دفن فيها الإمام محمد عبده حيث يقول له:

وأتيت صحراء الإمام تذوب من
                            طول الحنين لساكن الصحراء

فلقيت فى الدار الإمام محمدا 
                                في زمرة الأبرار والحنفاء    
اثر النعيم على كريم جبينه 
                              ومراشد التفسير والإفتاء 

إننى ادعو الكاتب الكبير أن يعيد النظر فيما كتب وما كنت اكتب ما كتبت إلا لمعرفتي به ومعرفتى أنه من الوقافين عند الحق إذا ما تأكدوا منه