هيرمس
شايل جيل

بالحسني 

البداية بالاستاذ 14

 أقرأ احيانا كتبا تعليمية لأساتذة متخصصين فى الجامعة فأدرك مدى ما يعاني هؤلاء الأساتذة من حرمان فى تعلم فن الكتابة ومدى ما يعانيه الطلاب فى الفهم عن أساتذتهم ومعرفة ما يريد الاستاذ توصيله الى طلاب من حقهم أن تتفتح مداركهم على الجمال فى كل شيىء ومنه فن القول وفن الفهم وفن السماع وفن التوصيل بحيث يخرج كل طالب وهو يشعر بجمال ما يدرس وبولاء لمعلمه الذي يصبح كالعارف الذى يربى مريدين مفتونين بعلمه وأدبه وورعه وتواضعه وسعة صدره وهكذا فيعيش المريد حالة من الشوق إلى أن يكون نموذجًا من هذا الأستاذ العارف .
 

كثيرة تلك الكتب التى تؤكد أن الجامعة لاتأبه لتعليم هيئة تدريسها كيف يكتبون كتبهم وفن التوصيل الى درجة تتعقد فيها الأفكار البسيطة ويصبح الرد على الخصوم فى صالح الخصوم وتوضيح رأي ينقله الأستاذ عن كاتب قديم إغراق فى الطلاسم.
 

أذكر أننى قرأت فى زمن بعيد كتابا لأستاذ جامعي يرد فيه على بعض من لايتفق معهم فى الرأى ويفند وجهة نظرهم فظل الأستاذ يسترسل فى الكتابة حتى وقع فى عكس ما يريد وأصبح كلامه الذى يريد به الرد تأكيدًا لما قالوه رغم أن الأمر كان بسيطا وخطأ رأي الاخرين واضح وتفنيده بسيط ولكن لأن الأستاذ لم تتعهده الجامعة ولم يتعهد نفسه بتعلم هذا الفن فوقع فيما وقع فيه.
 

 إذا حاولت أن أقف على سر هذه الظاهرة التى لها نماذج فوق الحصر وتبعث على الخجل فإنني أتصور أن الإيمان بالعملية التعليمية فى بلادنا ما زال ناقصا لدى القائمين عليها وأن هناك ما يشغل هذه الهيئات بعيدًا عن جوهر الهدف وهو التعليم وصناعة أستاذ عظيم قادر على أن يقدم خريجًا عظيمًا يليق بعقلية على عمق فى تاريخ البشرية يتجاوز السبعة آلاف سنة وتحقق إنجازات عظيمة كلما أتيحت لها البيئة المواتية .ولذا فإن من يعتقد أن مجرد حصول طالب على الامتياز وتعيينه معيدًا فى كلية ما وتركه يتخبط بين المكتبات وبين أستاذ مشغول بلقمة العيش أو أستاذ يستغله ويستذله كما استغله سابقوه حتى يحصل على الماجستير والدكتوراه  فإن هذا الامر خاطىء شديد الخطأ لأن صناعة الأستاذ تحتاج الى جهود كبيرة وإنفاق بسخاء ودورات تدريبية فى اللغة الأم واللغات الشهيرة يتعلم فيها أساليب الكتابه ودورات فى فن الحوار والجدل وتقديم البراهين ودورات فى تبسيط العلم وتقديمه سهلا .
 

وأنا أعرف جامعات خارجية تقيم مسابقات بين اساتذتها فى فن توصيل المعلومة وتبسيطها وفن الشرح وهو أمر يختلف شديد الاختلاف عن فن المذكرات الشهيرة فى بلادنا التى يكتبها المعيد أو المدرس وأحيانا يقوم بها مدرسوالمرحلة الثانوية لطلاب الجامعة فلا يصل للطالب من محاولات تركيز المعلومات إلا النذر اليسير .
 

التعليم هو سلاح الإمم وكل الأمم تعرف ذلك ولن يكون لأي أمة من البقاء إلا بمقدار ما تبذله من جهد فى تعليم أبنائها وما تنفقه على هذه المهمة وما توليه من إجلال للعالم والمتعلم .الغريب أننا نملك من القوة البشرية والمتخصصين ما نستطيع به تحقيق هذا الهدف إذا أردنا ولكن لانفعل بل إننى متأكد أنه لو تمت دعوة رجال الاعمال لرعاية هذه المهمة لفعلوا عن طيب خاطر بشرط أن يشعروا بصدق النوايا فهل  نفعل ؟