هيرمس
شايل جيل

الحروب والصراعات نقمة أم نعمة؟

كنت اعتقدت ان الموضوع حسم منذ زمن بعيد ولم يعد ثمة جديد يمكن ان يكون محل نقاش وحوار إلى ان قرأت مقالا للكاتب اللبناني "عدنان كريمة" نشرته مؤسسة الفكر العربي، أشار فيه إلى فكرة تجدد النقاش حولها تتعلق بمدى إسهام الأزمات والصراعات - على الرغم من صعوبتها- في النهضة الإنسانية، حيث يرى أن الإنسان بعد تعرضه للمصاعب المختلفة يستطيع أن يعيد بناء نفسه من خلال قدرته على الإبداع والتطور، وان ما يعانيه المواطن العربي حاليا من أزمات سيكون لها تأثير إيجابي على زيادة وعيه بحريته وحقوقه وقدراته وإمكانيات، بما يفتح المجال نحو تغيير ملموس فى بنية المجتمع وركائزه بما يصوب الاتجاه نحو تحقيق هدف المسيرة الانسانية. 

ما سبق ذكره هو اقتباس من المقال لتكون فكرته واضحة، ولكن هل وضوح الفكرة يعنى وضوح النتيجة المترتبة عليها؟ بمعنى أكثر وضوحا هل الحروب والصراعات والنزاعات اعطت للانسان الفرصة لاعادة بناء نفسه على اسس سليمة وصحيحة؟ وهنا نصبح أمام مسارين للتقدم: مسار الصراعات والحروب، ومسار الاصلاح والتطوير. أيهما الانسب وأيهما الاكثر ملائمة للانسانية؟ فكرة المقال السابق الاشارة إليه تعيد الى الاذهان الفكرة المرفوضة انسانيا وقانونيا وهى فكرة صدام الحضارات والاديان، فمع البدء فى طرح هذه الفكرة فى اوائل التسعينيات من القرن الماضى تبنتها جماعات بل دول رأت أن هناك حضارات تهددها بما ادخلها فى صراعات وحروب راح ضحيتها ضحايا وأبرياء. فهل كان على الانسان ان يخوض مثل هذه الحروب والصراعات ليدرك أن البناء ما بعد الصراع هو البناء السليم؟ وتأتى الاجابة أن هذه الرؤية تتعارض كلية  الفطرة الانسانية والهدف الالهى من خلق الانسان وهو عمارة الكون. ولذا، فكان المسار الثانى وهو مسار الاصلاح والتطوير هو الانسب لتقدم الانسانية دون ويلات تتحملها فى خوض هذه الحروب. يدلل على ذلك النهج الذى اتبعه الله سبحانه وتعالى فى ارشاده لبنى البشر الذى خالفوا شرعه فى  كل عصوره، فكانت دعوات الانبياء جميعا دعوات للصلاح والتطوير والتحسين وليس للهدم بحجة اعادة البناء. 

ما اود قوله إن ما يروجه بعض وسائل الاعلام وتموله بعض الدول لاثارة المزيد من الصراعات والنزاعات التى يموت فيها الانسان العربى دون أية مسئولية ارتكبها، امر مرفوض شرعا وقانونا ومجتمعا. ولذا ادعو المؤسسات البحثية للقيام بدورها فى تصحيح كثير من المفاهيم والتصورات المغلوطة التى أدخلت المنطقة وشعوبها فى دوامة العنف والصراع والتفكك والهدم تحت حجة واهية ارتبطت بالخطاب الامريكى الذى رفع عقب احداث 11 سبتمبر 2001 بغزوها لافغانستان ومن بعدها العراق، فالدولتان لا تزالان ترضخان فى غمار التخلف والصراع ما لم يدرك مواطنيها ان كل هذه الخطابات تخدم مصالح أطراف معينة هدفها استغلال ثرواته المنطقة ومواردها على حساب أصحاب الارض. فمتى نفيق جميعا من هذه الغيبوبة؟ 

--------------

رئيس وحدة الدراسات المالية والاقتصادية بمركز الحوار للدراسات السياسية والاعلامية