اهتم الإسلام ببناء المسئولية المجتمعية المتكاملة اهتماماً لا نظير ولا مثيل له فالفرد له دوره نحو مجتمعه، كما أن مجتمعه يهتم به في جميع مناحي الحياة، فالكل مسئول عن الكل كما جاء في حديث الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام ــ الحاكم ــ راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها.
هذه المسئولية ما تقوم إلا بالإيمان بأسس الحب وقواعد العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية والعلم والعمل وتكافؤ الفرص لكل أبناء الوطن.
كما قال النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ: مؤكداً بالقَسَمْ: والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتي تحابوا.
ذلك الحب الذي ترفرف حمائمه بالتراحم والتواد حتي يكونوا جسداً واحداً قوياً كما يقول المصطفي: مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمَثَلِ الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.
هو جسد السفينة التي يحرص الجميع أن تكون سليمة ولا يُترك لعابث أن يعبث بجزء هو قائم عليه حتي تبحر السفينة لتصل بهم إلي شاطيء الأمان والسلام مثلما قال الرسول في حديثه الشريف: مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي مَنْ فوقهم، فقالوا لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، فإنْ يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعاً.
وأجد هذا الحديث الشريف يتكامل معه في المعني الحديث الشريف القائل: لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهوُّن عن المنكر أو ليسلطنَّ عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم.
لذلك كان الإسلام حريصاً تمام الحرص علي إشاعة وشيوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أمر عظيم في بناء الإنسان القوي الذي يشكل الوطن القوي.
والمتأمل في قوله تعالي: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر يجد الخيرية للأمة دون إدعاء ولا تتحقق إلا إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متحققاً أيضاً، وتنتفي الخيرية عن الأمة إذا لم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يتحقق السلام الاجتماعي الوثيق كما تقول دراسات علم الاجتماع القانوني لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوره كبير في الوقاية من حدوث الجرائم منذ بدايتها شريطة أن يكون الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر متصفاً بالقدوة الحسنة وبالأسلوب الليِّن الرفيق كما يقول سبحانه وتعالي: أتأمرون الناس بالبر وتنْسَون أنفسكم وكبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، وحسبما يقتضي الحال، ودون حدوث ضرر أشد كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: مَنْ رأي منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإنْ لم يستطع فليغيِّره بلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان أيضاً تثبت الدراسات النفسية أن عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تكريس للعنف السلبي المؤدي بعد ذلك إلي العنف الكامل في المجتمع.
ومن أجمل وأروع ما قيل في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما قاله حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهمة التي ابتعث الله لها النبيين أجمعين، ولو طُوي بساطه وأُهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، وأضمحلت الديانة، وغشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشري الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد.