هيرمس
شايل جيل

تديُّن من نوع آخر

كنت أظن أن التديُّن وعلاقة الإنسان بالله – سبحانه وتعالى – مُرتبطة فقط بالعبادات والمُعاملات، ولكن الحياة أثبتت لي أن هناك نوع آخر من التدين، وهو تدين الإحساس، بمعنى أن تجد إنسانًا بسيطًا لا يُطلق عليه لقب "شيخ"، أو حتى شديد التدين، ولكنك تكتشف أن دائم الحديث مع المولى عز وجل، ليس بالأحاديث أو الأدعية أو الآيات القرآنية، ولكنه يتحدث عن أحاسيسه ومخاوفه وأحلامه مع الله، يستغفره عندما يُخطئ؛ لأنه خشي أن يُبعده ذنبه عن القرب من الله، عندما يفرح، يحمد الله وهو وسط الجموع بينه وبين نفسه، فهو يتحدث مع الله وهو بين الناس، ويُفكر فيه، وهو يُفكر في أمور كثيرة حياتية، وينشغل بحب الله، حتى وهو في لحظات حب مع أي شخص، فهو دائم التواصل مع الله، حتى في أحلامه، يشعر أنها رسائل من الله، حتى في تقصيره في العبادة، لا يكون تفكيره مُنْصَبَّا على الجنة والنار، وإنما على خشيته من أن هذا التقصير يجعل المولى عز وجل يغضب منه، فهو يُحب الله بدون انتظار للمقابل، فهو حب مجرد عن كل شيء، حب بسيط، لا يشترط ذكر الأحاديث والأدعية ذات الألفاظ القوية والرنانة، حب نابع من القلب لا يحتاج المرور على فلتر العقل.

فهذا النوع من التدين له بريق من نوع خاص، فهو تدين نقي، طاهر، يدل على أنه صاحبه لا يضع ضوابط في علاقته بالله، فهو يشعر أن كيانه ذاب في هذا الحب، فهو مُؤمن أن الله يشعر به، ويُسامحه، حتى لو أخطأ ألف مرة، ويلتمس له دائمًا الأعذار؛ لسبب بسيط هو أن الله يعلم تمام العلم أن هذا الشخص يحبه، ليس خوفًا من عقابه، ولا طمعًا في جنته، وإنما يُحبه؛ لأنه وجد أمانه في رحاب الله، ووجد ضالته في الاقتراب منه، واكتشف ذاته عندما نجاه في الليل والناس نيام.

فبالفعل، صدق من قال أن مناط أي عمل هو الإخلاص، وقمة الإخلاص يتركز في تدين الإحساس، فالجسد يتدين بالعبادات، والروح تتدين بالمعاملات الطيبة، أما الإحساس، فيتدين بأن يكون العقل والقلب دائمي الفكر والحديث مع الله، وهذا هو أصدق وأقرب وأطهر أنواع التدين على الإطلاق من وجهة نظري.