هيرمس
شايل جيل

ثمن الحقيقة

 

الجميع يبحثون عن الحقيقة في كل شيء، فالحقيقة هي السر والهدف والمرسى، ولذا إذا اختفت الحقيقة تحولت للغز مُثير، يهرول خلفه الجميع، وتفقد بريقها، بمجرد الوصول إليها.

ولكن، هل كل الحقائق يجب معرفتها والوصول إليها؟ أعتقد أن الإجابة لابد أن تكون بالنفي، فهناك أمور لو اطلع عليها الإنسان، لعاش مُعذبًا طيلة الدهر، لذا من رحمة المولى عز وجل بنا أن هناك أشياء تخفى علينا؛ لأن إدراكنا لها قد يأتِ بنتيجة عكسية، قد تُزلزل كياننا، وتهد أفكارنا.

فللأسف، هناك حقائق يكون ثمن الوصول إليها أغلى منها، فيندم الإنسان على معرفتها، ووصوله إليها؛ لأنه يكتشف أن ما فقده من أجلها، كان أغلى وأعز منها كثيرًا.

وهذا يدل على أن قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"؛ لأنه سبحانه وتعالى يُدرك أن الإنسان له قدرات ذهنية محددة، مهما بلغت قوتها وذكاؤها، فلو عرف بعض الأشياء، ربما يعتريه خلل نفسي، أو عقلي، يُودي بكيانه تمامًا، ولكن للأسف، فُضول الإنسان يدفعه دائمًا لمعرفة الحقيقة، مهما كان ثمنها، وأحيانُا يصل إلى مُبتغاه، يندم ويأسف على ما بذله من أجلها.

فالحقيقة، والمعرفة، والإدراك، أمور لابد من المحاولة فيها، ولكن إذا تراءى للإنسان الشر من خلال مسيرته في الوصل إليها، عليه أن يتوقف ويُدرك أنه يسير في طريق مُظلم، لن يصل به إلا إلى حتفه.

وأكبر دليل على ذلك، أن هناك من حاولوا أن يبحثوا عن سر الحياة، والوجود، والكثير من الأمور الربانية، وللأسف، انتهى الأمر ببعضهم إلى الإلحاد، وهناك من حاولوا التبحر في معرفة خفايا الحياة، وفك شفراتها، فانتهى بهم الأمر إلى الجُنون.

فكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى كان بقدر، وهو أتاح للبشر الوصول لبعض الأمور، بقدر محدد، فلو تزيدوا، لن يصلوا ولكنهم سيفقدوا اتزانهم المطلوب. وأخيرًُا، قبل أن تبحث عن شيء، ففكر أولاً في ثمن الوصول إليه.