هيرمس
شايل جيل

حاجة حلوة .. راندا البسطويسى

حقا الام مدرسة، ولانها ليست ككل الامهات، كان لزاما علينا، ان نقترب ونرصد بعض من ملامح عشقها للحياة، ولابنتها البطلة، وكيف حولت وجع ان ابنتها من اصحاب الهمم، لتصبح الابنة – دينا طارق - بطلة للعالم ومثالا يحتذى به فى مجالات عديدة، ولترفع الابنة اسم مصر عاليا، وخلفها ام عظيمة، لم تكتفى بنجاح ابنتها بل راحت تساعد غيرها على النجاح والتفوق.

انها راندا البسطويسي، والتى تذكرت معى - بمزيج من الشجن والفخر - لحظات ولادتها لابنتها الثانية، دينا طارق – بطلة مصر والعرب والعالم فى السباحة والجمباز والتنس، ونجمة مقالنا السابق.

مؤكدة .. "عام 1996 كان ميلاد ابنتى ومصدر فخرى دينا، كانت الولادة عادية وطبيعية ولكن بعد الولاده ومن الغريب ان التمريض مايجبليش البيبي عشان ترضع زي كل الحالات ... لازم الام تاخد البيبي ترضعه ودا محصلش معايا والدكتور طلعلي بعد الولاده وقالي عموما هي شبهك ..!!! 

وحاولت معهم ان يحضروها لغرفتى، ولكن الرفض والمماطلة استمر، الى ان جاء موعد خروجى من المستشفى، فذهبت لغرفة الاطفال المواليد، لاخذ ابنتى .. كانوا بيلبسوها الحلق وادوني الشيت بتاع الحالة واوراقها عشان الخروج ومش عارفة ايه اللي خلاني افتح الشيت واقراه ولا قيتهم كاتبين ( ( she has a mangholian featcher اول ما قرأت الجملة، انهمرت دموعى، وقلت لزوجى .. بص شوف كاتبين ايه كاتبين كذا وكذا قالي يعني ايه قولتله بيقوله انها كذا بردوا مافهمش واخدتها وطلعت من المستشفي وأنا فى بكاء مستمر،  وذهبت بسرعة شديدة، لدكتور الأطفال بتاعنا لأتأكد ولأطمن لكن للأسف أكد لي الموضوع وقالي عموما هما بيبقوا مختلفين في الذكاء، وذهبت لطبيب اخر مشهور، ولكنه زود الطين بلة وقالي انهم مابيعيشوش اكتر من ٣٠ سنة وبيجيلهم كانسر وخلي الدنيا سودا في عنيا وكنت طول الوقت بادعي دعوة واحدة يارب لو هي كده فعلا تكون حالتها كويسه وعقلها كويس وكنت أعد الايام والليالي حتى تكبر وأرى الدعوة بتتحقق، وكلي عشم في استجابة دعواتي، لقد بدأت معاها الرياضة في سن ٤ سنوات وكنت دائما لما اتكلم مع مدرسها اقوله انا زعلانه انها مش بتقرا وتكتب كويس كان بيقولي محدش بياخد كل حاجة هي شاطرة في الاجتماعيات والرياضة ودي ميزة مش عند كل الولاد ....

ودي ميزة مش عند كل الولاد ... ولو قعدت مع حد المهم تعرف تتكلم معاه محدش حايسألها واحد زائد واحد يساوي كام، وكان وقتها من حوالي ٢٥ سنة تعليم اولادنا صعب ومافيش دمج غير دلوقتي"

الى ان بلغت دينا 12 سنة، حيث تعرضت البطلة لحالة التواء جانبي في العمود الفقري مما هددها بالتوقف نهائيا عن الرياضة وممارسة اي نشاط، ولمعالجة هذه الحالة، أصبح على الام اتخاذ قرار مهم وهو عمل عملية خطيرة جدا لتقويم العمود الفقري وتثبيت عدد ٨ فقرات به او عدم عمل العملية وإبقائها في حالة الالتواء الشديد التي عانت منها والتي كانت تتدهور وتزيد يوم بعد يوم حتي وصلت لقبل إجراء العملية لنسبة التواء ٧٥% كما انها كانت ستؤثر على التنفس والرئة وباقي اعضاء الجسم ....

لقد كان قرارا خطيرا جدا وصعب يحيطه الخوف الشديد على الابنة وعلى حياتها نظرا للخطورة الشديدة للعملية، ولكن نظرا لأن الام لا يمكنها ان تترك ابنتها تموت يوم بعد يوم بالبطئ، فقد قررت بعد استخارة الله أن تعمل العملية واختارت احد الاطباء المتخصصين في جراحة العمود الفقري وتوكلت علي الله ودخلت العملية مع توقعات كبيرة من الجميع ان العملية لن تنجح وسوف تفقد ابنتها للابد! ... 

ولكن رحمة الله كبيرة وقدرته على نجاح العملية التي استمرت من ٨ صباحا وحتي ٣ عصرا .. وخرجت دينا من العملية والحمد لله واستمرت في العناية المركزة وقد كانت والدتها هي الوحيدة التي تتقبلها دينا لتمريضها والجلوس معا والنوم بجوارها، وتم وضع دينا بالجبس الكامل للنصف العلوي من جسمها لمدة ٦ شهور والنوم علي الظهر بلا حركة طوال تلك الفترة، وتخيل الجميع ان حياة دينا الرياضية قد انتهت وانها ستعيش بقية العمر تأكل وتشرب وتتنفس فقط وهذا من فضل الله، ولكن الام لم تفقد الامل، واصبح لديها يقين بان المعجزات الالهية لا زالت تحدث وستستمر حتي نهاية الحياة ...

تحدت الأم كل العالم بابنتها .. وتمسكت بثقتها بربها .. وعادت دينا بعد ٦ شهور من العملية وبعد فك الجبس للسباحة وحدث ما لا يصدقه عقل! 

عادت دينا للسباحة وكأنها لم تتوقف ابدا ولم تصاب بأي شيء ولم تمر بأية عملية، وكانت اول تمرينة لها بعد العملية وفك الجبس تمرينة عادية مثل اخر تمرينة قبل العملية، وأذهلت دينا الجميع .. وبدأت تنتظم في التمرين وحصلت بعد ٦ شهور على المركز الاول في السباحة وتأهلت دينا للسفر للبطولة الاقليمية السابعة للأولمبياد الخاص في سوريا وحققت هناك ٤ ميداليات ذهبية، ورفعت علم مصر بلدها عاليا الحمد لله بعد سنة من العملية! 

وتوالت بعد ذلك البطولات المحلية والدولية .. لتتوج دينا طارق، بطلة للعالم في الجمباز، وفي التنس، ولتصبح بفضل الله ثم مثابرة أمها اول لاعبة جمباز إيقاعي في مصر والعالم العربي من أصحاب متلازمة داون، وأول راقصة باليه في مصر والعالم العربي من أصحاب متلازمة داون، كما أنها راقصة فنون شعبية، وأول بنت من أصحاب الهمم تقوم بالدوران بالتنورة، ولتشارك في احتفالية "قادرون باختلاف" بتقديم عرض جمباز إيقاعي لاول مرة في مصر أمام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي - رئيس الجمهورية وليكرمها الرئيس شخصيا.

وخلال تفوق دينا، ورحلتها للعالمية، لاحظت الام العظيمة العديد من الأهالي، لا يستطيعون ان يدركوا قيمة أبنائهم من اصحاب الهمم، ولا يدركون كيفية التعامل الصحيح معهم، وخاصة ان بعض الجهات واصحاب النفوس الضعيفة يستغلون الأهالي والابناء بطريقة خاطئة، وحتى بعد إتمام الابناء للمراحل الدراسية، لا يجدون مكان يعبرون فيه عن انفسهم، ويمارسون ما يريدون من أنشطة فنية ورياضية وغيرها،  رغم ان إحساسهم بوجودهم فى الحياة هو حق أصيل لهم .. ومن حقهم تحقيق ذاتهم والتفوق والنجاح كـ(دينا طارق)!

من أجل ذلك أنشأت (راندا البسطويسي)، "مؤسسة وسيلة الخير" لتصبح قبلة للعشرات من اصحاب الهمم، ليس لمجرد قضاء وقت مميز، ولكن لممارسة الرياضة والفنون وكافة أنماط الحياة، وتم تأسيس اول فريق من اصحاب الهمم في مصر لرقص الباليه، واول فريق من اصحاب الهمم في مصر للجمباز، وقد حصل ابطال المؤسسة على جوائز دولية عديدة، والآن يشاركوا في أنشطة كتيرة لمساعدة الغير كمتطوعين يساعدون كل محتاج، مثلهم كمثل أي متطوع، ليتمتعوا بحقوقهم في الحياة الطبيعية، وليمارسوا الترفيه والرياضة والتطوع وعمل الخير للغير.

لقد استطاعت راندا البسطويسي ان تحول تجربتها فى تربية ابنتها البطلة العالمية، لطاقة حب وعطاء يشع نورها فيشمل العديد من اصحاب الهمم وأسرهم، فيندمجوا فى المجتمع، ويصبحوا نافعين لأنفسهم ولأسرهم ولوطنهم العظيم ... ولازال العطاء والحب مستمرا.