هيرمس
شايل جيل

خزينة الأمانات

أصعب صفة يمكن أن يوصف بها إنسان أن يكون خائنًا للأمانة، فهذه الصفة لو لصقة بشخص، ماتت أي ميزة فيه، مهما كان قدرها، ونحن في غنى عن الحديث عن الأمانة، ومعناها وفحواها، فهي أكبر من أن تُكتب في مقال، ولكن لا غنى عن الحديث عن بشاعة خيانة الأمانة، فهي ليست مُجرد جريمة في قانون العُقوبات، أو صفة بذيئة، لا يجوز أن يتسم بها إنسان، بل هي في الواقع حالة تقتل كل المعاني الإنسانية، فأنت عندما تأتمن إنسانًا على نفسك أو سِرك أو حياتك، فأنت في الواقع تضعه في موضع نفسك منك، فهل يمكن لإنسان أن يخون نفسه، مهما كانت الأسباب، إلا إذا كان مختلاً عقليًا؟!

والمضحك في هذا الأمر، أننا لم نسمع من قبل عن شيء فُقِدَ، وهو موضوع في الأمانات، فهل من المنطق أن تكون خزينة الأمانات أكثر أمانة من الإنسان، وبالمناسبة خيانة الأمانة لا تقتصر فقط على الماديات والأسرار، ولكنها تمتد إلى الأحاسيس، فمن يأتمنك على أفكاره وأحلامه، وتقتلها بداخله، فأنت بالفعل خائن للأمانة، ومن يأتمنك على كبريائه فتهينه، فأنت بالتأكيد خائن للأمانة، ومن يأتمنك على دموعه، فتسخر منها، فأنت بلا ريب خائن للأمانة.

فكل حركة أو همسة أو إيماءة، فيها ثقة فيكن تحملك أمانة لابد أن تكون على قدرها، طالما أن من أمامك أوْلاك تلك الثقة بلا قُيود أو شُروط، ولم يكن مُضطرًا لتوليتك إياها، فلابد أن تحترم تلك الثقة، وتحافظ عليها، تبذل قصارى جهد من أجلها، وإلا ستكون أقل من خزينة الأمانات.

وما أبشع أن يتدنى الإنسان حتى يصبح أقل من دولاب حديدي، توضع فيه الأشياء المادية، والأكثر أسفًا أنه هو صانع هذا الدولاب.

ولكن يا تُرى، هل ابتكر الإنسان تلك الخزينة لقناعته أن بني آدم لا يملكون القُدرة  على الحفاظ على الأمانة؟ أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مقال آخر.