هيرمس
شايل جيل

د. حاتم صادق

الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا

صفقة القرن ام فرصة القرن

 

ليست هذه دعوة للقبول بالامر الواقع ،لكنها مجرد محاولة للتعلم من التاريخ .. والحديث هنا عن صفقة القرن التي اعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل القضية الفلسطينية. 

وما سيتم ذكرة هنا مرتبط فقط بتلك القضية ، فكاتب هذه السطور يؤمن بان لكل ازمة او قضية تاريخية ظروفها الخاصة ولا يمكن ان تتطابق مهما بلغ التشابه بينهما.

والقضية الفلسطينية ربما تعد من القضايا الأكثر تعقيدا في التاريخ الانسانى، لانه لأول مرة يتنازع شعبان على قطعة ارض واحدة ، وكل منهما يزعم انه يمتلك كل الشرعية على كل الأرض مدعوما بموروثات تاريخية وعقائدية وعرقية، هذه هي لب الازمة التي نعيشها حتى من قبل وعد بولفور الذى اخرج الازمة من الدائرة التاريخية الى الدائرة السياسية.

ونأتى هنا الى صفقة القرن التي يدور حولها الجدل، فالغريب انها لم تأتى بجديد وربما ما زاد عليها في السابق هو تثبيت الوضع القائم في بعض تفاصيله بالنسبة للاسرائيلين الذين يسعون الى إيجاد دولتهم الدينية ، وأيضا نفس الشيء بالنسبة للفلسطينيين الذين سيكون لهم نصيب من القدس الشرقية المتمثل في قرية أبو ديس، ومازاد هو الجانب الاقتصادي الذى سيتم الاعتماد عليه كعنصر مساعد في اقناع الأطراف بقبول الصفقة.

ولكننا في حقيقية الامر ، يجب ان نعود بالذاكرة التاريخية منذ صدور القرار الدولى لسنة 1947 ، وهو قرار التقسيم الذى اعتمد على تقسيم فلسطين الى دولتين إسرائيلية وفلسطينية .. في ذلك الوقت كانت تقريبا اغلب القدس مع الفلسطينين طبقا لهذا القرار ، ووافق عليه الإسرائيليين ورفضة العرب والفلسطينيين على امل ان يتم استعادة كل الأرض! وضاعت الفرصة التاريخية الأولى.

وبقى الحال حتى جاءت حرب عام 1948 لتصبح إسرائيل دولة لها شرعية فيما بقى الفلسطينيين مجرد مجموعة من اللاجئين في انتظار تحقيق الامل الذى بدت ملامحه تضيع.

وجاءت الجولة الثانية من الصراع عام 1967بنكسة غير مسبوقة دفع ثمنها الشعب المصرى من شبابه وارضه، وأصبحت كل فلسطين تحت السيادة الإسرائيلية، وبات ان الامل في عودة فلسطين اصبح مجرد وهم.

وكانت الأولوية في مصر هي استعادة سيناء ، وهذا ما حدث في حرب 1973، وتم توقيع معاهدة السلام ، ودعا الرئيس الراحل أنور السادات الفلسطينيين للمشاركة في عملية السلام ، وكان المعروض في ذلك الوقت قد تقلص ، وأصبحت القدس مناصفة ، وفى المقابل كان هناك شبه دولة فلسطينية متصلة، وهنا تدخل المغرضون والباحثون عن دور ولعبوا على وتر العاطفة والدين ، وتم رفض المبادرة .. وضاعت من جديد فرصة تاريخية كان يمكن البناء عليها.

ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش أجواء قضية الفرص الضائعة ، وفى كل مرة تعود فيها القضية الى الصدارة يتم رفض المطروح ، حتى ادرك الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ان الفرص أصبحت تتضائل ولم يبقى الا الفتات ، وأخيرا اقتنع بقبول اتفاقية عرفت باسم غزة – اريحا يحصل بمقتضاها على مجرد اعتراف بسلطة فلسطينية غير مستقلة وأجزاء منفصلة من الاراضى الفلسطينية.

هكذا تحول ماتبقى من الحلم الى مجرد كابوس ، وفاق الجميع ذات صباح وقد ضاعت كل الفرص الجيدة التي كانوا يمنون انفسهم بها.

ما اقصده من هذا السرد التاريخي ، ان الحقوق لا تعود الا من خلال موازين القوة ، فالحق بدون قوة هو مجرد ايقونة تاريخية لا تمتلك قوة ذاتية على تحافظ بها على نفسها ، وهى دائما في حاجة الى قوى على الأرض لحمايتها وتنميتها.

ما اخشاه ان تكون صفقة القرن هي بالفعل فرصة اذا تم مقارنتها بتاريخ الفرص الضائعة التي عشناها ، واذا رفضها الطرف الفلسطيني فان القادم لن يكون على ما اعتقد افضل مما سبق بل سيكون هناك المزيد من هضم الحقوق على حساب الطرف الأضعف، وما سيتم تقديمه مستقبلا ربما سيكون البقاء مقابل السلام.. الازمة اننا لازلنا مرهًونين ومتشبعين بشعارات وموروثات يجب إعادة النظر فيها.

-------------------------

الأستاذ بجامعة حلوان - استشارى دولى