هيرمس
شايل جيل

عدْوى من نوع آخر

 

ليس من المنطقي أو الطبيعي أن تجعل شخصُا سويًا وطبيعيًا يعيش ويتعايش مع شخص مختل عقلي أو نفسي، فهذا الأمر سيُحْدِث خللا في بُنيان حياة الشخص الطبيعي، فكل تصرفاته سيصُيبها الخلل تدريجيًا؛ لأنه مُضطر للاستماع إلى حوارات غير منطقية، ومُجبر على الالتزام بالثبات الانفعالي طيلة الوقت، وهذا لا يتواءم والطبيعة البشرية.

علاوة على تأثره بحديث وأفكار من يتعايش معه، ومما لاشك فيه أنه سيكون في حالة نفسية تجعله دائم الانفعال، وفي حالة شتات ذهني ونفسي، وقد يُصاب بحالة من الاضطراب؛ بسبب تعمده التعامل مع عقلية لا تُدرك، فهو يُحاول أغلب الوقت الوصول إلى طريقة تفكيرها، ومُجاراتها قدر الإمكان، والانصياع لأفكارها، وهذا بالتأكيد سيُحْدث خللاً في قُدرته، وقُوة تركيزه، ومُعدل احتماله.

فالجهاز العصبي للإنسان عُرضة للخلل في أي لحظة، فهو يتأثر بالعالم المُحيط بشكل سريع، فما بالنا لو تعايش مع الخلل طيلة الوقت، فقطعًا ولا محالة سيُصاب بحالة اكتئاب، وسيكون دائم الانفعال، وستتلعثم الأفكار بداخله، وتضطرب أحاسيسه، فلا يقوى على التفرقة بين الأمور.

فمن يقول أن المريض النفسي أو العقلي غير مُعْدٍ، فهو مُخطئ، فالعدوى هنا لا تنتقل بالنفس أو التلامس، أو غيرها من طرق العدوى البدنية، ولكنها عدوى من نوع آخر، فهي عدوى نفسية، بمعنى أنك لو تعايشت مع شخص مُصاب بالاكتئاب، ستُصاب بحالة اكتئاب؛ بسبب الطاقة السلبية التي يُصدرها لك دائمًا، ولو تعايشت مع المُضطرب نفسيًا، ستُصاب بالاضطراب في سُلوكياتك؛ بسبب حالة القلق والتردد التي ينقلها لك طيلة الوقت، ولو تعايشت مع مريض الهيستيريا؛ ستُصاب بحالة من الشتات الذهني، بسبب تقلباته المزاجية، ولو تعايشت مع مريض الفصام، ستُصاب بحالة من الصراع؛ بسبب عدم مقدرتك على التفرقة بين ما هو صحيح وحقيقي، وما هو زائف، لا يمت للواقع بصلة.

فتلك الأمراض أيضًا مُعْدية، ولكنها عدوى من نوع آخر.