هيرمس
شايل جيل

علامات تكاملية

 

هُناك الكثير من النوازع النفسية التي قد تنتاب الإنسان، حتى وهو في أشد حالات نجاحه وتميزه، ففي بعض الأحيان نجد شخصًا استطاع أن يُحقق نجاحًا كبيرًا في أحد المجالات، لدرجة أنه أصبح من الصفوة، ورغم ذلك لا يجد نفسه إلا في مُصادقة البسطاء، وقد يُرجع البعض هذا البعض التصرف إلى التواضع والبساطة، وعدم التكلُف، في حين أنه في الواقع يرمي إلى أمر آخر، لا صلة له بتلك المعاني الإنسانية النبيلة.

فهو لا يشعر بذاته إلا مع هؤلاء البسطاء، الذين لا يستطيعون مُجاراته في الحوار، ولا يملكون الإمكانيات في أن يكونوا أندادًا له في أي مُناقشة، وليست لديهم أدوات المُنافسة معه، فهم لا يملكون سوى التسليم له ولآرائه، خاصة لو كانوا في حاجة إليه ولإمكانياته، فهنا تكون الأمور غير مُتوازنة، فيظل هو دُرة التاج، والنجم الساطع، وهم مُجرد حاشية، كل دورها ينحصر في مديحه والانبهار به، وتأييد كل أقواله، حتى ما لا يقتنعون به، فهم يفعلون ذلك؛ لأنهم أيضًا يجدون في صُحبته ما يُرْضي غُرورهم، ويُشعرهم بأنهم يملكون ملكات خاصة، وإلا ما كان هذا الشخص المُتميز اختار صُحبتهم، وفضلهم على قرنائه، لذا يقبلون بأي شيء في سبيل إرضائه، والحُصول على صداقته.

إذن، فالمسألة من الألف إلى الياء نفسية لدى الطرفين، فكُل منهما يجد ضالته في الآخر، ويُحاول تعويض نقصًا في شخصيته، عن طريق الشخص الآخر.

وأظن أن تلك العلاقات لا تتمتع بالتوازن النفسي؛ لأن كل طرف يُخرج طاقته السلبية في الآخر، فهو يبحث عن نفسه في شخص غيره، ولا يعبأ على الإطلاق بهذا الغير، وبما يعتمل به من تفاعلات نفسية، وأحاسيس خاصة.

والواقع، أن الإنسان السوي دائمًا ما يجد نفسه داخل نفسه، فالآخر ما هو إلا علاقة إنسانية، نُحاول أن نُكمل بها حياتنا الاجتماعية، ولكنه ليس وسيلة لتفريغ الشحنة النفسية.

فهذا النوع من العلاقات، هو قائم في الأساس على التكاملية، وليس على الإنسانية، لذا فإنه لا يصمد كثيرًا أمام الأزمات، والاحتياجات النفسية.